أنت ولا أحد من أهل رفقتك»، فإذا فعل بالهدي ما ذكرنا، وهي أربعة أشياء: النحر، وغمس نعليه بدمه، والنداء عليه، والتخلية بين مساكين الموضع وبينه، فليس له أن يأكل منه غنياً كان أو فقيراً، ولا أحد من أغنياء أهل رفقته، فأما فقراء رفقته فمذهب الشافعي أنه لا يجوز لهم أن يأكلوا أشياء منه وإن كانوا فقراء؛ لقوله ﷺ:«ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك».
وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يأكل منها فقراء رفقته؛ لأن بحصولهم بالموضع قد صاروا من أهله، وهذا قول يدفعه نص السنة المروية، ويبطله معنى النهي في الاحتياط؛ لأنه لو رخص لأهل الرفقة في أكله لجاز أن يتوصلوا إلى عطبه، ليتعجلوا استباحة أكله، فإذا منعوا من أكله عند عطبه كان ذلك داعية حفاظه، وسبب الاحتياط في إبلاغه، فإن أكل منه أو أكل أحد من أهل رفقته كان ضامناً لقدر ما أكل، وعليه إبلاغ ما ضمنه الحرم، لأنه يقدر على إبلاغه الحرم، بخلاف الهدي الذي قد عطب، فلا يقدر على إبلاغه الحرم، فإن لم يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته منه وفعل به الأربعة أشياء فلم يأكل أحد من مساكين الموضع منه حتى تغير أو هلك فلا ضمان عليه؛ لأن عليه تمكين أهل الموضع منه، وليس عليه أن يأكلوا منه، فأما إذا لم يفعل به شيئاً مما ذكرنا فتركه حتى مات؛ فإن كان قادراً على نحره فلم ينحره حتى هلك فعليه ضمانه وغرامة مثله لمساكين الحرم، وإن لم يقدر على نحره حتى مات بعجلة هلاكه وسرعة موته فلا ضمان عليه، فأما إن نحره وخلا بينه وبين المساكين وإباحة أكله من غير أن يصبغ نعليه بدمه أجزأه واستباح المساكين أن يأكلوه، لرواية عبد الله بن قرط قال رسول الله ﷺ:«أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر»، وقربت إلى النبي ﷺ بدنات خمس أو ست ينحرهن فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها، فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفيفة لم أفهمها، فسألت بعض من يليني ما قال: قالوا: قال: «من شاء اقتطع».
فأما إن نحره وغمس نعليه في دمه وضربها على صفحته ولم يناد في الناس به ولا أعلمهم بإباحته فهل يجزئه وتستبيح الناس بذلك أكله أم لا؟ على قولين:
أحدهما: وهو قوله في القديم: إن هذه علامة يستبيح الناس أكله بها كالنداء عليها، فعلى هذا إن لم يأكلوها فلا ضمان عليه.
والقول الثاني: قاله في الجديد وهو الصحيح: ليست هذه علامة يستباح بها الأكل إلا بالنداء عليها؛ لأن هذا العقد قد يحتمل أن يكون عن واجب في تطوع يستبيح الناس أكله، وقد يحتمل أن يكون عن واجب في ذمته لا يستبيح الناس أكله، فلم يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنداء، فعلى هذا: وإن لم يأكله الناس حتى هلك أو تغير ضمانه لمساكين الحرم، فأما جلال الهدي التي عليها فعليه إيصالها إلى الحرم وتفريقها في مساكينه؛ لقدرته على ذلك، ولما روى ابن أبي ليلى عن علي ﷺ قال: أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلالها وجلودها، وروي في الحديث: وألا أعطي الجازر منها شيئاً،