للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فأما إن أتلفه، أو تلف بتفريطه، فعليه ضمانه؛ لأنه أتلف واجباً لغيره، فضَمِنَهُ، كالوديعة.

وإن خاف عطبه، أو عجز عن المشي وصحبة الرفاق، نحره موضعه، وخَلَّى بينه وبين المساكين، ولم يبح له أكل شيء منه، ولا لأحد من صحابته، وإن كانوا فقراء، ويستحب له أن يضع نعل الهدي المقلَّد في عنقه في دمه، ثم يضرب به صفحته، ليعرفه الفقراء، فيعلموا أنه هدي، وليس بميتة، فيأخذوه. وبهذا قال الشافعي، وسعيد بن جبير.

وروي عن ابن عمر: أنه أكل من هديه الذي عطب، ولم يقض مكانه.

وقال مالك: يباح لرفقته، ولسائر الناس، غير صاحبه أو سائقه، ولا يأمر أحداً يأكل منه، فإن أكل، أو أمر من أكل، أو حزَّ شيئاً من لحمه، ضمنه.

واحتج ابن عبد البر لذلك، بما روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن ناجية بنت كعب صاحب بدن رسول الله ، أنه قال: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ قال: «انحره، ثم اغمس قلائده في دمه، ثم اضرب بها صفحة عنقه، ثم خل بينه وبين الناس».

قال: وهذا أصح من حديث ابن عباس، وعليه العمل عند الفقهاء، ويدخل في عموم قوله: «وخل بينه وبين الناس» رفقته وغيرهم.

ولنا: ما روى ابن عباس؛ أن ذؤيباً أبا قبيصة حدثه؛ أن رسول الله كان يبعث معه البدن، ثم يقول: «إن عطب منها شيء، فخشيت عليها، فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحته، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك». رواه مسلم. وفي لفظ رواه الإمام أحمد: «ويخليها والناس، ولا يأكل منها هو ولا أحد من» أصحابه

ثم احتج ابن قدامة بحديث ابن علية عن أبي التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس مرفوعاً، وفيه: «ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك» [أخرجه مسلم، ويأتي تخريجه في الحديث الآتي].

ثم قال: (وهذا صحيح متضمن للزيادة)، ومعنى خاص، فيجب تقديمه على عموم ما خالفه، ولا تصح التسوية بين رفقته وبين سائر الناس؛ لأن الإنسان يشفق على رفقته، ويحب التوسعة عليهم، وربما وسع عليهم من مؤنته.

وإنما منع السائق ورفقته من الأكل منها؛ لئلا يقصر في حفظها، فيعطبها ليأكل هو ورفقته منها، فتلحقه التهمة في عطبها لنفسه ورفقته، فحرموها لذلك.

فإن أكل منها، أو باع، أو أطعم غنياً، أو رفقته، ضمنه بمثله لحماً.

وإن أتلفها، أو تلفت بتفريطه، أو خاف عطبها؛ فلم ينحرها حتى هلكت، فعليه ضمانها بما يوصله إلى فقراء الحرم، لأنه لا يتعذر عليه إيصال الضمان إليهم، بخلاف العاطب.

<<  <  ج: ص:  >  >>