الوجه الثالث: اختلاله من جهة المعنى، وذلك من وجهين: أولهما ذكره النحاس (ت: ٣٣٨) بقوله: (لو كان إنما معناه: تجعلها بمنْزلة الذَّكَر. لم يُحتَج إلى ﴿أَنْ تَضِلَّ﴾ [البقرة ٢٨٢]؛ لأنها كانت تجعلها بمنْزلة الذَّكَر، ضَلَّت أو لم تَضِلّ، ولا يجوز أن تُصَيِّرها بمنْزلة الذَّكر وقد نسيت شهادتها)(١). وثانيهما ذكره أبو حيَّان (ت: ٧٤٥)(٢) ومعناه: أنه لو سُلِّمَ بأن أذكَرَ بمعنى: تصيرها ذَكَرًا. فلا يصح؛ لأن التصيير ذَكَرًا سيشملُ المرأتين، إذ كلتاهُما سَتُذَكِّرُ الأُخرى على هذا التأويل، فتصبح شهادة المرأتين كشهادة رجلين، وهذا باطل.
الوجه الرابع: أن النساء لو بَلَغنَ ما بَلَغنَ، ولم يكن معهنَّ رجلٌ لم تَجُز شهادَتُهُن (٣)، قال الرازي (ت: ٦٠٤): (فإذا كان كذلك فالمرأة الثانية ما ذَكَّرَت الأولى)(٤).
ولا حُجَّة لهذا القول في القراءة السبعية المذكورة؛ فإن "ذَكَّرَ وأَذْكَرَ" بمعنىً واحد، قال الجوهري (٥)(ت: ٣٩٣): (وذكرتُ الشيءَ بعدَ النسيانِ، وذَكَرْتُه بلساني وقلبي، وتَذَكَّرتُه، وأَذْكَرتُه غيري، وذَكَّرتُه بمعنىً)(٦)، قال مكيّ (ت: ٤٣٧): (فالقراءتان مُتعادِلتان)(٧)، أي في المعنى.
(١) معاني القرآن ١/ ٣١٨. (٢) البحر المحيط ٢/ ٣٦٦. (٣) ينظر: المغني ١٣/ ٤٢٩، وزاد المسير (ص: ١٧٢)، والتفسير الكبير ٧/ ١٠٠. (٤) التفسير الكبير ٧/ ١٠٠. (٥) إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر الفارابي، اللغوي الأديب، أخذ عن أبي علي الفارسي، والسيرافي، وصَنَّف كتابه المشهور «الصَّحاح»، وغيره، توفي سنة (٣٩٣). ينظر: معجم الأدباء ٢/ ٦٥٦، وبغية الوعاة ١/ ٤٤٦. (٦) الصَّحاح ٢/ ٦٦٥، وينظر: الوسيط ١/ ٤٠٤. (٧) الكشف عن وجوه القراءات ١/ ٣٢١. وينظر: شرح الهداية ١/ ٢١٢، والتسهيل ١/ ٢٢٨.