عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: لما نزلت هذه الآية ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام ٨٢]، شق ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا: وأيُّنا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي ﷺ:(ليس بذلك- وفي لفظ: ليس كما تظنون- ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان ١٣]، إنما هو الشرك)(١).
* تحليل الاستدراك:
القول الأول الذي ذهب إليه الصحابة ﵃ في فهم الآية هو عموم الظلم؛ الذي يشمل جميع مراتبه من أعلاها وهو الشرك، حتى أدناها وهي الصغائر، وكلها ظلم للنفس، فصار المعنى عندهم ﵃: أن من وقع في ظلمٍ لنفسه ولو بصغائر الذنوب التي لا يسلم منها أحد- إلا من عصم الله-؛ فقد حُرِمَ الأمن والاهتداء الموعود بهما من سلم إيمانه من أن يُخالطه أيّ ظلم كان (٢).
ومرتكز هذا الفهم من الصحابة ﵃ هو الأصل اللغوي لكلمة الظلم في سياقها العام، فإن أصل الظلم في لغة العرب: وضع الشيء في غير موضعه (٣). وهم أهل اللسان والبيان، وبه نزل القرآن، فلذلك شَقَّ عليهم ﵃،
(١) أخرجه البخاري في صحيحه ١/ ١٠٩، (كتاب ٢ - الإيمان، باب ٢٣ - ظلم دون ظلم، برقم: ٣٢)، ومسلم في صحيحه ١/ ٣٠٧، (كتاب ١ - الإيمان، باب ٥٦ - صدق الإيمان وإخلاصه، برقم: ١٢٤). (٢) شرح النووي على مسلم ١/ ٣٠٨، وعمدة الحفاظ ٣/ ١١. (٣) ينظر: مقاييس اللغة ٢/ ٩٩، والقاموس المحيط (ص: ١٠٢٢).