قال ابن حجر (ت: ٨٥٢): (والذي يظهر لي أنهم- أي الصحابة- حملوا الظلم على عمومه، الشرك فما دونه، وهو الذي يقتضيه صنيع المؤلف (١)، وإنما حملوه على العموم لأن قوله ﴿بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام ٨٢] نكرة في سياق النفي) (٢).
أمّا المعنى الثاني في هذه الآية فهو التفسير النبوي الكريم، الذي أبان معنىً آخر لكلمة الظلم، هو بعض معناها العام الذي فهمه الصحابة ﵃، وقد بيّن النبي ﷺ أن المراد بالظلم في هذه الآية: الشرك. وذلك بحسب ورودها في القرآن الكريم في مواضع أُخر، مع إقرار الوحي له على ذلك، وبهذا سُرِّيَ عن الصحابة ﵃ ما وجدوه من مشقّةٍ في فهمهم الأوّل لعموم الظلم.
فمرتكز هذا البيان النبوي الكريم ما يأتي:
أولًا: الوحي، ابتداءً أو تقريرًا.
ثانيًا: صحّة المعنى لُغَةً؛ إذ الشرك من معاني الظلم وهو أعلى مراتبه، كما سبق، قال ابن قتيبة (٣)(ت: ٢٧٦): (أصل الظلم في لغة العرب: وضع الشيء في غير موضعه، ثم قد يصير الظلم بمعنى الشرك؛ لأن من جعل لله شريكًا فقد وضع الربوبية غيرَ موضعها)(٤).
ثالثًا: الاعتماد على ورود كلمة الظلم بذلك المعنى في مواضع كثيرة من القرآن
(١) أي البخاري في تبويبه لهذا الحديث بقوله: (باب: ظلم دون ظلم) أي أن الظلم درجات. ينظر: الفتح ١/ ١١١. (٢) فتح الباري ١/ ١١٠. (٣) عبد الله بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد الدينَوَري، رأسٌ في العربية، خطيب أهل السنة، صنف: مُشكل القرآن، وغريب القرآن، توفي سنة (٢٧٦) على الصحيح. ينظر: السير ١٣/ ٢٩٦، وطبقات المفسرين، للداوودي (ص: ١٧٥). (٤) تأويل مشكل القرآن (ص: ٢٥٨)، والمسائل والأجوبة (ص: ٢٧٠)، وينظر: شرح النووي على مسلم ١/ ٣٠٨، وفتح الباري، لابن رجب ١/ ١٤٤، والتحرير والتنوير ٧/ ٣٣٢.