لَمَّا استقر عند عائشة ﵂ عموم لفظ الحساب في الآية؛ أَخذًا بظاهرها، وأنه في القليل والكثير (١)، ومنه حِسابٌ يسيرٌ يوم القيامة؛ استشكلت كلام رسول الله ﷺ الذي جعل مناقشة الحساب يوم القيامة عذابًا وهلاكًا؛ إذ فيه معارَضةٌ لظاهر الآية، فبيّنَ النبي ﷺ المُراد بالحساب اليسير في الآية، وأنّهُ أخَصُّ من حِساب التدقيق والمناقشة على كل عمل الإنسان، وأنَّ المُراد به هنا العَرضُ والتقرير؛ الذي يُجازى فيه- من أخذَ كتابه بيمينه- بالحسنات، ويُتَجاوزُ فيه عن السيئات، مَنًّا من الله وفضلًا (٢). قال أبو العباس القرطبي (ت: ٦٥٦): (واعتراض عائشة ﵂ بقول الله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق ٨] إنما حملها عليه أنها تمسكت بظاهر لفظ الحساب؛ لأنه يتناول القليل والكثير)(٣). وقال الشاطبي (ت: ٧٩٠): (ولمَّا قال ﵊: (من نوقش الحساب عُذِّب) بناءً على تأصيل قاعدة أُخرَويّة، سألت عائشةُ عن معنى قول الله ﷿ ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق ٨] لأنه يُشكِلُ دخوله تحت عموم الحديث؛ فبيّن ﵊ أن ذلك العرض لا الحساب المُناقش فيه) (٤).
(١) ينظر: المُفهِم ٧/ ١٥٧، والفتح ١١/ ٤٠٩. (٢) ويشهد له حديث ابن عمر مرفوعًا في نجوى المؤمن ربَّه يوم القيامة، وفيه: (يُدْنى المؤمن من ربه يوم القيامة، حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه؛ فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي ربَّ أعرف، قال: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى صحيفة حسناته) أخرجه البخاري في صحيحه ٥/ ١١٦ (٢٤٤١)، ومسلم في صحيحه ٦/ ٢٣٨ (٢٧٦٨). (٣) المُفهِم ٧/ ١٥٧، وينظر: الفتح ١١/ ٤٠٩. (٤) الموافقات ٣/ ٢٩٣، وينظر: الصواعق المرسلة ٣/ ١٠٥٣.