والإيضاح؛ فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل ذلك كثيرًا) (١).
وفي خصوص هذه الآية قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨): (وكذلك ينسخ الله ما يقع في النفوس من فهم معنىً، وإن كانت الآية لم تدل عليه، لكنه محتمل، وهذه الآية من هذا الباب؛ فإن قوله ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ [البقرة ٢٨٤] الآية، إنما تدل على أن الله يحاسب بما في النفوس، لا على أنه يعاقب على كل ما في النفوس، وقوله ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة ٢٨٤]، يقتضي أن الأمر إليه في المغفرة والعذاب، لا إلى غيره)(٢)، وقال ابن رجب (ت: ٧٩٥): (وقد سمَّى ابنُ عباس وغيره ذلك نسخًا، ومُرادهم: أن هذه الآية أزالت الإيهام الواقع في النفوس من الآية الأولى، وبيَّنت أن المُراد بالآية الأولى: العزائم المُصَمَّمُ عليها، ومثل هذا البيان كان السلف يُسَمُّونَه نسخًا)(٣).
* الحكم على الاستدراك:
ما فهمه ابن عمر ﵁ من هذه الآية هو ما فهمه الصحابة ﵃ من قبل، فعن أبي هريرة ﵁ قال:(لما نزلت على رسول الله ﷺ ﴿لِلَّهِ ما فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة ٢٨٤]، قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ، فأتوا رسول الله ﷺ ثم بركوا على الرُّكَب، فقالوا: أي رسول الله: كُلِّفنا من الأعمال ما نُطِيق، الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله ﷺ: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير) قالوا: سمعنا وأطعنا
(١) كتاب التوحيد (ص: ٤٦)، وبِهذا يُعلم خطأ الجصاص في أحكام القرآن ١/ ٦٥١ حين قال: (وإنما قول من رُويَ عنه أنها منسوخة؛ فإنه غلطٌ من الراوي في اللفظ). وينظر: شرح النووي على مسلم ١/ ٣١٣. (٢) مجموع الفتاوى ١٤/ ١٠١. (٣) جامع العلوم والحكم ٢/ ٣٢٤.