تعارض عند حفصة ﵂ استثناءُ رسول الله ﷺ مَنْ بايع تحت الشجرة من دخول النار، وما استقر عندها من لزوم ورود جهنمَ لجميع الناس، تَمَسُّكًا منها بعموم الآية، وحيث إن الورود عندها بمعنى الدخول؛ استشكلت استثناء رسول الله ﷺ أهلَ الشجرةِ من ذلك، مع أن عموم الآية لا استثناء فيه. فقابلت الحديث:(لا يدخل النارَ أحدٌ ممن بايع تحت الشجرة)، بعموم الآية ﴿وَإِنْ مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ [مريم ٧١]، قال أبو العباس القرطبي (ت: ٦٥٦): (وكأنها رجَّحَت عموم القرآن؛ فتمسكت به، فأجابها النبي ﷺ، بأنَّ آخر الآية يبين المقصود، فقرأ قوله تعالى ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم ٧٢]، وحاصل الجواب: تسليم أن الورودَ دخولٌ، لكنه دخول عبور، فينجو من اتقى، ويُترَك فيها من ظلم)(١).
فكان بيان رسول الله ﷺ معتمدًا على السياق، في مقابل أخذ حفصة ﵂ بالعموم، قال ابن القيم (ت: ٧٥١): (فأشكل عليها- أي حفصة- الجمع بين النصين، وظَنَّت الورود دخولها، كما يُقال: وَرَدَ المدينة. إذا دخلها، فأجاب النبي ﷺ: بأن ورود المتقين غير ورود الظالمين، فإن المتقين يردونها ورودًا ينجون به من عذابها، والظالمين يردونها ورودًا يصيرون جثيًّا فيها به، فليس الورود كالورود)(٢)، فصار المعنى: إن المتقين يدخلونها دُخول ناجٍ من عذابها، لا دخول جاثٍ فيها، كما هو حال الظالمين. ويشير لهذا المعنى التعبير بقوله تعالى ﴿ثُمَّ نُنَجِّي﴾ [مريم ٧٢]؛ والنجاة لا تكون إلا لِمَنْ تعرض لِهَلاك، وذلك يكون حين المرور على الصراط كما بيَّنَته الأحاديث على ما يأتي.