إلا من ثلاثة، وقيل: كلتاهما أصليتان ومعناه: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله، وانقطع هو عن عمله إلا من ثلاثة أعمال، بقي أن الظاهر أن يقال: إلا عن ثلاثة، وجوابه أن (من) و (عن) قد يتناوبان، ويذكر كل منهما مقام الآخر، هذا، وقد أشار الطيبي (١) في أثناء البيان إلى توجيهه حيث قال: تقديره ينقطع عنه ثواب أعماله من كل شيء كالصلاة والزكاة والحج، ولا ينقطع ثواب أعماله من هذه الثلاثة، فالمضاف مقدر، و (من) ابتدائية أي: انقطع عنه الثواب الحاصل من كل أعماله إلا الثواب الحاصل من هذه الأعمال الثلاثة، فافهم. ويحتمل أن يكون صلة لـ (انقطع).
وقوله:(صدقة جارية) في (النهاية)(٢): أي: دارّة متصلة كالوقوف المرصدة لأبواب البر، وفي بعض الشروح عن (الأزهار)(٣): اختلف العلماء في الصدقة الجارية، قال أكثرهم: هي الوقف وشبهه مما تدوم منافعه، وقال بعضهم: هي القناة والعين الجارية المُسَبّلة.
ثم قد استشكل هذا الحديث بحديث:(من سن سنة حسنة فله أجره وأجر من عمل بها)(٤)، وحديث:(كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل اللَّه، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة)(٥)، فإن هذين القسمين المذكورين في ذينك الحديثين
(١) "شرح الطيبي" (١/ ٣٦١). (٢) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (١/ ٢٦٤). (٣) انظر: "مرقاة المفاتيح" (٢/ ١٠١). (٤) أخرجه الترمذي (٢٦٧٥)، وابن ماجه (٢٠٣). (٥) أخرجه أبو داود (٢٥٠٢)، والترمذي (١٦٢١)، وأحمد (٦/ ٢٠).