أولى بذلك، والثالث بأن الإقامة بمكة على المهاجر حرام، ولأن هذه الوجوه لا تجري في صلاة عائشة -رضي اللَّه عنها- أربعًا، وقد ورد:(تأولت كما تأول عثمان -رضي اللَّه عنه-) كما سيأتي، على أن أكثر هذه الوجوه ظنون لا دليل عليها، وقيل: لعل عثمان -رضي اللَّه عنه- يرى القصر مختصًا بمن كان شاخصًا سائرًا، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، وأما القول بأن عثمان -رضي اللَّه عنه- كان قائلًا بأن القصر -كما يفهم من ظاهر الآية- مخصوص بحالة الخوف، وإذا أمن كان الإتمام أفضل فمردود بحديث عمر -رضي اللَّه عنه-: (صدقة تصدق اللَّه بها) الحديث، ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان آمن منه، وقد قصر، والقيد في الآية اتفاقي مبني على الأكثر والأغلب، وقال الطحاوي عن الزهري قال: إنما صلى عثمان -رضي اللَّه عنه- أربعًا؛ لأن الأعراب وأهل البدو والذين لا يعرفون بتفاصيل الأحكام كانوا أكثر في ذلك المقام، فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع، ويؤيده ما روى البيهقي عن عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- أنه قال: إن عثمان -رضي اللَّه عنه- بعد ما صلى أربعًا خطب واعتذر أن القصر سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصاحبيه -رضي اللَّه عنهما-، ولكنه حدث طغام -بفتح الطاء والمعجمة (١) - فخفتُ أن يستنوا، وعن ابن جريج أن أعرابيًا ناداه في منى: يا أمير المؤمنين! ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين، ولهذا طرق بعضها يقوي بعضًا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام، كذا في (فتح الباري)(٢).
وقال ابن بطال: الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة -رضي اللَّه عنها- كانا يريان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته شفقة عليهم، وكان مخيرًا بالقصر