وذهب إلى أن المنادي: رسولُ الله ﷺ. ابنُ مسعود، وابن عباس ﵃، وابن جريج (ت: ١٥٠)، ومقاتل (ت: ١٥٠)، وابن زيد (ت: ١٨٢)(١)، وهو أظهر القولين، وعليه جمهور المفسرين (٢)، وفيه أخذٌ بحقيقة اللفظ، وهو أولى من التَّجوُّز في المعنى الأوّل، وقد ذكر ابنُ جُزَيّ (ت: ٧٤١) من وجوه الترجيح في التفسير: تقديم الحقيقة على المجاز، وقال:(فإن الحقيقة أولى أن يُحمَل عليها اللفظ عند الأصوليين)(٣). ثم قد شهد السياق لهذا القول، وكذا نظائره الكثيرة في القرآن.
ولا يُشكِلُ عليه الاعتراض الذي ذكره القرظي (ت: ١٠٨)، لأن نداءه ﷺ لمن لم يسمعه كندائِه لمن سَمعَه، والقرآن والسُّنَّةُ من دعائِه ﷺ لأُمَّته، وكلاهُما باقٍ محفوظ، ونقل القرطبي (ت: ٦٧١) جوابَ بعض العلماء عن ذلك فقال: (وأجاب الأولون فقالوا: من سَمِعَ القرآن فكأنَّما لَقي النبي ﷺ، ثُمَّ قال: (وهذا صحيحٌ معنىً)(٤).
وقد لَحَظ بعض المفسرين كالراغب (ت: بعد ٤٠٠)(٥)، والواحدي (ت: ٤٦٨)(٦) تقارب المعنيين السابقين وارتباطهما، فحملا الآية عليهما؛ لأن الإيمان بأحدهما إيمان بالآخر، ودعوتهما واحدة. والأولى التفصيل السابق؛ لأن قولَ القرظي (ت: ١٠٨) تابعٌ للقول الأول، ومترتبٌ عليه.
* * *
(١) ينظر: تفسير مقاتل ١/ ٢٠٩، وجامع البيان ٤/ ٢٨١، والنكت والعيون ١/ ٤٤٢، وزاد المسير (ص: ٢٥٠). (٢) كما في الوسيط ١/ ٥٣٤، وتفسير السمعاني ١/ ٣٨٩، ومعالم التنْزيل ٢/ ١٥٣، والتفسير الكبير ٩/ ١١٧، والجامع لأحكام القرآن ٤/ ٢٠١، وفتح القدير ١/ ٦٦٤. وينظر: بحر العلوم ١/ ٣٢٤، وتفسير القرآن العزيز ١/ ٣٤١، والكشف والبيان ٣/ ٢٣٣، والكشاف ١/ ٤٤٥، وأنوار التنْزيل ١/ ٢٠١، والتسهيل ١/ ٢٨٨، والبحر المحيط ٣/ ١٤٨، وتفسير ابن كثير ٢/ ٨٢٦، وتفسير الحداد ٢/ ١٩٢، وروح المعاني ٤/ ٥٠٨، والتحرير والتنوير ٤/ ١٩٩، وتيسير الكريم الرحمن ١/ ٢٨٤. (٣) التسهيل ١/ ٢١. (٤) الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٢٠٢. (٥) في تفسيره ٢/ ١٠٤٩. (٦) في الوجيز ١/ ٢٤٩، مع أنه قد اختار القول الآخر في الوسيط ١/ ٥٣٤، ونسبه لأكثر المفسرين.