المطلب الأوّل أخذ الرزق من بيت المال على الإفتاء (١)
من أجل المناصب وأخطرها في الإسلام منصب الإفتاء.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:"اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل؛ لأنّ المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ ولهذا قالوا: المفتي موقع عن الله"(٢).
(١) الإفتاء في اللُّغة: البيان والإجابة، وهو مصدر من أفتى يفتي إفتاءً، ومنه الفتوى والفتيا، وهما اسمان يوضعان موضع المصدر، يقال: أفتاه في الأمر: أبانه له، وأفتيته في المسألة: أجبته عنها. المصباح المنير للفيومي ٢/ ٤٦٢، لسان العرب لابن منظور ١٥/ ١٤٧، القاموس المحيط للفيروزآبادي ص:١٧٠٢. وفي الاصطلاح: عرف العلماء الإفتاء أو الفتوى بتعريفات كثيرة كلها تدور حول معان محددة منها: أن الفتوى إخبار أو بيان للحكم الشرعي، وأنّها غير ملزمة للمستفتي، ومن أجمع هذه التعريفات، أنّها: "الإخبار بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام". الشرح الصغير للدردير ٢/ ٢٧٢، شرح منتهى الإرادات للبهوتي ٣/ ٤٥٦. ومن هنا تتضح الفروق بين الإفتاء والقضاء، ومنها: ١ - أن الفتوى إخبار عن الحكم الشرعي والقضاء إنشاء للحكم الشرعي. ٢ - أن الفتوى لا إلزام فيها للمستفتي، أمّا القضاء فهو ملزم. الدر المختار للحصفكي ١/ ٥١، البهجة شرح التحفة للتسولي ١/ ١٧، البحر المحيط للزركلشي ٦/ ٣١٥، إعلام الموقعين لابن القيم، ٢/ ١٧٥، ٤/ ٢١٠. (٢) المجموع للنووي ١/ ٤٠. وقد أبان ابن القيم رحمه الله تعالى عن حقيقة هذا المنصب، وأهميته وعظيم خطره بكلام نفيس كما في إعلام الموقعين ١/ ١٠ - ١١، فليراجع للاستفادة.