وأما أبو أسامة زيد بن حارثة شراحيل الكلبي حب رسول الله ﷺ وأول من آمن به من الموالي؛ فإنه من كبار السابقين الأولين وكان من الرماة المذكورين. آخى رسول الله ﷺ بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، وعاش خمسا وخمسين سنة، وهو الذي سمى الله في كتابه في قوله: ﴿تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا﴾ يعني من زينب بنت جحش: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: ٣٧]، وكان المسلمون يدعونه زيد ابن النبي ﷺ حتى نزلت: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، وقال -تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤]، وقال: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥].
روى عن زيد ابنه أسامة وأخوه جبلة.
واختلف في سنه، فروى الواقدي أن محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد حدثه، عن أبيه، قال: كان بين رسول الله ﷺ وبين زيد بن حارثة عشر سنين؛ رسول الله أكبر منه، وكان قصيرًا شديد الأدمة أفطس.
قال محمد بن سعد: كذا صفته في هذه الرواية، وجاءت من وجه آخر أنه كان أبيض وكان ابنه أسود. ولذلك أعجب النبي ﷺ بقول مجزز المدلجي القائف:"إن هذه الأقدام بعضها من بعض".
قلت: وعلى هذه الرواية أيضا يكون عمره خمسين سنة أو نحوها.
وقال أبو إسحاق السبيعي: إن زيد بن حارثة أغارت عليه خيل من تهامة، فوقع إلى خديجة فاشترته، ثم وهبته للنبي ﷺ. ويروى أنها اشترته بسبع مائه درهم.
وقال الزهري: ما علمنا أحد أسلم قبله.
وقال موسى بن عقبة: حدثنا سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، قال: ما كنا ندعوا زيدا إلا زيد بن محمد. فنزلت ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٥](١).
وقال يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: غزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات، كان النبي ﷺ يؤمره علينا. كذا رواه الفسوي عن أبي عاصم عن يزيد.
وقال ابن عيينة: أخبرنا عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر يقول: إن رسول الله ﷺ أمر أسامة على قوم، فطعن الناس في إمارته. فقال:"إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده"(٢).
(١) صحيح: أخرجه أحمد "٢/ ٧٧"، والبخاري "٤٧٨٢"، ومسلم "٢٤٢٥" "٦٢"، والترمذي "٣٢٠٩" و"٣٨١٤"، وابن سعد "٣/ ٤٣"، والطبراني "١٣١٧"، والبيهقي "٧/ ١٦١" من طرق عن موسى بن عقبة، به. (٢) صحيح: أخرجه أحمد "٢/ ١١٠"، والبخاري "٣٧٣٠" و"٤٤٦٩" و"٦٦٢٧"، ومسلم "٢٤٢٦" "٦٣" من طرق عن عبد الله بن دينار، به.