منتصف المسافة بين همذان والري، وقد صرح بالتحديث فيها عن أهم مشايخها آنذاك، يتعلق الأمر بأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الساوي الكامخي (ت ٤٩٥ هـ)، فروى عنه ثلاث روايات كما ورد في هذا السفر، ويظهر كذلك أنه غادر هذه المدينة على عجل، إذ في الغالب الأعم أن عدد الروايات المحصلة في كل مدينة، يكون لها العامل الأكبر في تحديد المدة الزمنية التي مكث بها.
بعد ذلك، طمح التميمي في الولوج إلى مدن أخرى أوفر علما وأكثر عمرانا، فكان له ذلك بدخوله مدينة نيسابور، بفتح النون وسكون الياء وفتح السين المهملة (١)، وهي دار السنة والعوالي، معدن الفضلاء ومنبع العلماء، والذي لا مراء فيه أن مترجمنا دخل هذه المدينة العامرة في حدود سنة ٤٨٠ هـ أو قبلها بقليل، ذلك أن شيخه الوحيد الذي صرح في الكتاب بالتحديث عنه بها، هو أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي النيسابوري المزكي، وقد توفي هذا الشيخ بنيسابور عام ٤٨١ هـ، كما تذكر المصادر إملاءه المجالس في نفس السنة التي هلك فيها، وأورد التميمي عنه في هذا الكتاب أربع روايات.
وترجح لي من جملة قرائن ومعطيات، أن مترجمنا لم يلبث كثيرا بنيسابور، إذ ما أن جمع بها عددا من الروايات حتى عقد العزم على شد الرحال متوجها نحو مدينة أصفهان (٢)، فدخلها قبل متم عام ٤٨٠ هـ، وهي مدينة عامرة بأهل العلم آنئذ، وكانت
(١) نيسابور: مدينة عامرة جليلة وقديمة البناء من بلاد خراسان، سميت بذلك نسبة إلى الملك سابور الساساني، وسميت في العهد الإسلامي أيضا أبرشهر وإيرانشهر ونشاوور، نسب إليها جماعة من أكابر الفضلاء، وظلت عامرة إلى أن خربها التتار عام ٦١٨ هـ فلم يتركوا بها جدارا قائما، ثم صلح أمرها بعد ذلك وعمرت، وتقع اليوم في مقاطعة خراسان شمال شرق إيران، على حدود روسيا وأفغانستان، وتبعد عن طهران بحوالي ٩٢٠ كلم. الروض المعطار: (٥٨٨)، بلدان الخلافة الشرقية: (٤٢٩/ ٤٢٤). (٢) أصفهان أو أصبهان مدينة كبيرة من مدن بلاد فارس، تقوم على ضفاف نهر زندرود، ضبطها الحميري بكسر الأول، قيل: سميت بأصبهان بن نوح الذي بناها، وقيل هي بلسان فارسي تعني بلد الفرسان، وكانت منذ أقدم الأزمنة موضعا جليل القدر لعظم خيرات أراضيها ووفرة مياهها، وما زالت معالم مجدها التالد ظاهرة للعيان اليوم، وهي تقع على بعد ٣٤٠ كلم جنوب طهران. الروض المعطار: (٤٣)، بلدان الخلافة الشرقية: (٢٤٢/ ٢٣٨).