الحمد لله الذي فضل نبينا محمدا ﷺ بأشرف الفضائل، وعصمه بمقام النبوة عن النقائص والرذائل، وجعله رحمة لعباده في الدنيا وفي الموقف الجلل، فكان قطب الأنبياء والمرسلين، وطراز أهل الله المقربين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الأكرمين، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا جرم أن علم السير من أهم ما اهتم به الأئمة الأعلام، والمشايخ الموفقون الكرام، ولم تعمر مجالس الذكر بعد كتاب الله ﷿ بأحسن من أخبار رسول الله ﷺ، لذلك شمر جلة من علماء الإسلام منذ القرن الهجري الأول إلى يومنا هذا لصوغ تأليف في هذا الفن، وإن فضل بعضها على بعض في الأكل؛ فإنها تسقى بماء واحد، ولن يزال مداد أقلام الراسخين الفضلاء من أعلام هذه الأمة يستدر للاستضاءة والإضاءة من خلال القبس من أنوار من قال الله ﷿ في حقه ﴿إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا﴾ [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦]، حيث أبدعت قرائحهم في تناول السيرة النبوية الشريفة، فمنهم من التزم ذكر أحداثها بالإسناد المتصل إلى رسول الله ﷺ علا أم نزل، ومنهم من حذفه واقتصر على المراد، فوجدت بذلك دواوين عامة سردت مجمل الأحداث المتسلسلة المتصلة بحياة النبي ﷺ من ولادته إلى وفاته، وأخرى خاصة متنوعة؛ اعتنت بذكر أوصافه ﷺ الخلقية والخلقية، أو سردت فضائله ﷺ، أو تتبعت دلائل نبوته ﷺ، أو تناولت خصائصه الشريفة وحقوقه على الأمة ﷺ.
وإن مقارنة أولية بين المثبت اسمه المعروف وسمه من مصادر السيرة النبوية، وبين الموجود رسمه المتاح جسمه، تظهر أن عددا غير قليل من نفائسها قد طواه النسيان، رغم مسيس الحاجة إليه، ولقد وفق الله ﷿ إلى الاهتداء إلى كتاب:«تلقيح العقول في فضائل الرسول ﷺ»، الذي يعد أحد أنفس تلك المصادر؛ إذ هو