إن الحديث عن عصر المؤلف بمختلف جوانبه لا شك أن له تأثيرا فعليا في مجريات حياته، إن لم نقل إن التأثير والتأثر حاصل لا محالة وهو من المسلمات البديهية، لا لكون أبي عبد الله التميمي أحد أفراد مجتمعه فحسب، ولكن لكونه علما من أعلام عصره الذين كان لهم دور متميز في أمتهم، فالإنسان كما يقال وليد عصره ومرآة له، وهو حيث يوجد لا حيث يولد، ولكل استعداداته وقدراته، وقد يجلي دراسة عصره أمورا عديدة تساعد في الكشف عن جوانب مهمة ضنت بها كتب التراجم، ولعل محاولتي من خلال هذا المبحث تقديم صورة عامة عن عصر المؤلف، من الناحية السياسية والعلمية والاجتماعية، يكون لها الأثر الجلي في التخفيف من وطأة عوز المادة العلمية المرتبطة به.
[المبحث الأول: الحالة السياسية]
عاش أبو عبد الله التميمي على وجه التقريب خلال النصف الثاني من القرن الهجري الخامس وأوائل الربع الثاني من القرن السادس، حيث ولد على الأرجح بالبصرة وبها كانت وفاته، ومدينة البصرة آنئذ ومعها بقية المدن التي دخلها المصنف تخضع شكليا للخلافة العباسية ببغداد، أما الممارسة العملية لشؤون الدولة فيسيطر عليها السلاجقة.
والمتتبع لهذه الفترة الزمنية التي عاش فيها المصنف، يلحظ بلا ريب أنها كانت أكثر الفترات التاريخية اضطرابا وأشهرها فتنا ومحنا وقلاقل، ويشكل القرن الخامس الهجري أحد أحلك القرون التي تغشت الأمة الإسلامية، ومن أشدها وطأة عليها، فقد كانت الدولة العباسية في هذه الفترة تعيش حالة ضعف سياسي، شجع من جهة على تسلط العدو الخارجي الصليبي واستيلائه على أجزاء كبيرة ومهمة من قلب العالم الإسلامي، ومن جهة أخرى شجع على قيام العديد من الدويلات في