تقدم الحديث عن الحالة السياسية العامة التي شهدها القرنان الخامس والسادس الهجريان، وهي حالة مضطربة ومتدهورة عمت بلاد الرافدين لا سيما البصرة، ولعل الوضع العمراني في هذا العصر شهد نفس المآل إذا ما أعملنا نظرية ابن خلدون، لكن من المستغرب أن تشهد الحالة العلمية وضعا مناقضا لما عليه المشهد السياسي؛ إذ من المعلوم أن هذه الفترة التي عاصرها أبو عبد الله التميمي حوت حركة علمية مزدهرة على وجه الإجمال في جميع ميادين العلوم.
وقد أسهم في حصول هذا الازدهار دعم الدول المستقلة عن الخلافة العباسية كالبويهيين والسلجوقيين لهذا الجانب، فشجع ذلك العلماء والشعراء والأدباء وغيرهم على الاتصال ببلاط هذه الدول، والمشاركة في الإنتاج العلمي والأدبي، وربما ساعد على ذلك أيضا ظهور كثير من الفرق التي اتخذت الثقافة والعلم وسيلة لتحقيق أغراضها السياسية، ولعل من أبرز مظاهر الحركة الثقافية آنذاك كثرة مراكز الثقافة الإسلامية في العواصم والبلدان العربية والإسلامية (١).
ولبيان حقيقة الحالة العلمية في هذا العصر، سأجرد أسماء بعض علماء هذا العصر الذين برزوا في علوم دون غيرها، مع بيان بعض مؤسسات العلم والتعليم فيه، فأما العلماء:
ففي القرآن وعلومه اشتهر: الإمام أبو عثمان الصابوني المفسر (ت ٤٤٩ هـ)(٢)، والإمام أبو الحسن الواحدي صاحب البسيط والوسيط والوجيز في التفسير وصاحب أسباب النزول (ت ٤٦٨ هـ)(٣)، وأبو يوسف عبد السلام بن محمد القزويني
(١) انظر تاريخ الإسلام لحسن إبراهيم: (٤/ ٤٢٠ - ٤٢٧). (٢) سير أعلام النبلاء: (١٨/ ٤٠). (٣) سير أعلام النبلاء: (١٨/ ٣٣٩).