الحديث عن المكانة العلمية لأبي عبد الله التميمي مرتبط أشد الارتباط بما هو مبثوث في هذا السفر، وبما جاد علينا به القزويني في مشيخته، وكل مطالع للكتاب يجزم لا محالة أن مترجمنا يمكن نعته ب «المحدث المسند المصنف»، فحرصه على الإسناد ولقاء المشايخ وجمع المرويات وترتيبها في تصنيفه ظاهر للعيان.
وقد حلي ووصف في النسخة الخطية وفي مشيخة القزويني ب «الإمامة والمشيخة»، وهما وصفان لهما دلالات عميقة المعاني عند المحدثين (١)، إلا أنهما يدلان في الحد الأدنى على عدالة الرجل، أما ضبطه وإتقانه فلا يفيدهما هذين الوصفين.
وعن تحلية القزويني له في المشيخة بقوله:«الفقيه»، فإن الأمر يفيد في الغالب الأعم معنيين لا ثالث لهما، أولهما أن أبا عبد الله التميمي فقيه على طريقة المحدثين، أي أن فقهه في موضوع التصنيف يستنبط من خلال ما وضعه من تراجم لأحاديث أبواب الكتاب، ولا شك أن التميمي حرص على أن تكون المناسبة بين ما وضعه من تراجم وبين ما تحتها من الأحاديث، وهو في ذلك يمشي على خطى من سبقه من جهابذة المحدثين أمثال الإمام البخاري، والإمام مسلم، وغيرهما (٢).
(١) يطلق لقب الإمام على: المحدث والحافظ، والحجة، وأمير المؤمنين في الحديث، ولهذا الاسم كذلك معاني عديدة، منها: أن الإمام هو كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين، ومنها أن الإمام ما ائتم به من رئيس وغيره، ومنها أن الإمام من يقتدى به في الخير، وتطلق كذلك على من ائتم قومه أي المتقدم لهم، وتطلق أيضا على الرجل الذي لا نظير له، وغير ذلك من المعاني. انظر الكليات للكفوي: (١٧٦)، والسراج المنير في ألقاب المحدثين: (٤٤٥ - ٤٤٩). أما لقب الشيخ: فيطلق على من استبانت فيه السنن، وكان ذا مكانة عالية من علم أو فضل أو رئاسة. انظر المفردات في غريب القرآن: (٤٦٩)، تاج العروس: (٧/ ٢٨٦) مادة شيخ، المعجم الوسيط: (١/ ٥٠٢). (٢) للتوسع في الموضوع، ينظر بحث شيخنا الدكتور عبد اللطيف الجيلاني الذي شارك به في ندوة مناهج البحث في فقه الحديث النبوي بكلية الآداب ابن زهر في أكادير، ووسمه ب «تراجم الأبواب في المصنفات الحديثية وأهميتها في دراسة فقه الحديث»، وينظر كذلك بحث الدكتور علي بن عبد الله الزين بعنوان: «تراجم أحاديث الأبواب: دراسة استقرائية في اللغة واصطلاح المحدثين من خلال صحيح البخاري»، وهو منشور بمجلة جامعة محمد بن سعود الإسلامية، عدد ٥، ص ١٤٦ - ١٧١.