[المبحث الثاني: مكانة الكتاب بين المصنفات في موضوعه]
إن معظم من ألفوا وكتبوا في فضائل رسول الله ﷺ، وخاصة من سبقوا عصر الإمام أبي عبد الله التميمي، اقتصروا على إفراد أبواب أو فصول في مؤلفاتهم وكتبهم الموضوع الفضائل والمناقب، وهذا الأمر جلي في الدواوين الحديثية، أو في غيرها من التصانيف التي لا تشترط الإسناد في إيراد الآثار، ما عدا النزر اليسير الذي خص هذا الموضوع بتصنيف مستقل، ويتضح هذا للعيان بما سقته آنفا من المؤلفات والكتب قبل وبعد التميمي.
ويمكن اعتبار كتاب تلقيح العقول في فضائل الرسول ﷺ لأبي عبد الله التميمي، من أوائل المصنفات المسندة التي خصت موضوع فضائل رسول الله ﷺ بتصنيف مستقل، فقد وجد مصنف في هذا الموضوع قبل زمن المصنف، لكن لا يعرف منه إلا اسمه، فلعل الأقدار تجود علينا به كما جادت بهذا السفر الفريد.
ومما لا شك فيه أن صاحبنا استفاد مما سبقه من مصنفات مرتبطة أشد الارتباط بموضوع الفضائل، لا سيما كتب الشمائل والدلائل، لكن المتتبع لأسانيد الكتاب لا يجد المصنف يروي من طرق أصحاب المصنفات في موضوع الكتاب أو ما شابهه إلا نادرا، فهو محدث مسند، رحل في طلب العلم، فسمع الكثير من الأجزاء والأمالي والفوائد والمسانيد والمعاجم وغيرها، فانتقى منها مادة كتابه، ورتبها على الأبواب، وفيما يبدو أن هذا النوع من المصادر هو الذي شكل معظم موارده.
و بخصوص مباحث الكتاب، يبدو فيها فقه المصنف جليا، إذ حرص أشد الحرص على أن تكون المناسبة ظاهرة بين تراجم أبواب الكتاب وبين ما وضعه تحتها من أحاديث، ولا ضير أن تكون هذه التراجم التي وضعها قد سبق إليها من جماعة من أهل العلم، لا سيما عند أبي الشيخ في كتابه أخلاق النبي وآدابه، مع أنها لا تخلو عند التميمي من إضافة وإبداع في الصياغة والترتيب.