سفر فريد في بابه، وعلق نفيس في موضوعه، أبى واضعه الإمام المحدث أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد التميمي، إلا أن يلقح به العقول، ويشحذ به الأفكار، بذكر أغلب الأحاديث الواردة في فضائل رسول الله ﷺ، وإظهار ما اتصف به ﵊ من المزايا الكريمة، والخصال الحميدة، وما استحقه من الدرجة العالية الرفيعة التي ميزه الله بها عن سائر الأنبياء والمرسلين.
ومياسم نفاسة هذا الكتاب شتى، منها انتماؤه لحقبة زمنية متقدمة امتازت بحسن التوصيف، وجودة الترصيف، ومنها جمعه بين حقلين معرفيين: علم الحديث الشريف والسيرة النبوية، ومنها أنه من أوائل ما أفرد فيه بالتصنيف، من الدواوين المسندة، موضوع الفضائل؛ إذ التزم مصنفه بإيراد الروايات بأسانيدها، ولا يخفى على أحد أهمية الإسناد، وضرورته في توثيق الأخبار، وبيان صحيحها من سقيمها، فلولاه لقال من شاء ما شاء، وقد بلغ مجموع أحاديث الكتاب قرابة الثمانين وخمسمائة حديث، موزعة على أربعة وثلاثين بابا، مما جعله مصدرا حديثيا خصبا معتمدا في توثيق أخبار فضائله ﷺ.
ومن مزايا هذا الكتاب المبارك، أنه حفظ لنا جملة من الروايات عن أئمة أعلام، وعن دواوين يعز وجودها، وانفرد بإيراد جملة من المرويات المسندة التي لا نكاد نجدها في أي مصدر آخر سواه، بالإضافة إلى تفرده بذكر طائفة من شيوخ الرواية، وبالأخص شيوخ المصنف البصريين، وشيوخ شيوخه وغيرهم، ممن يندر وجود تراجمهم، أو حتى ذكرهم عرضا في أي مصدر من المصادر المتوفرة، كما أن من مزايا هذا الكتاب أنه يعرفنا بإمام كبير هو الإمام أبو عبد الله التميمي البصري المتوفى أوائل القرن السادس الهجري، فبالرغم من إغفال ذكره في كتب التراجم، لسبب لم ندركه بعد، فإن إفادات وإشارات متفرقة في بعض المصادر، تؤكد أن الرجل كان من كبار علماء البصرة، وأن كتابه الذي بين أيدينا من الكتب التي اشتهرت وسارت بها الركبان.