أقول: ظهر لي في وجه مناسبتها لما قبلها: أنّ سورة الكهف اشتملت على عدة أعاجيب: قصّة أصحاب الكهف، وطول لبثهم هذه المدة الطويلة بلا أكل ولا شرب، وقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وما فيها من الخارقات، وقصّة ذي القرنين. وهذه السورة فيها أعجوبتان: قصّة ولادة يحيى بن زكريّا (ع)«٢» ، وقصّة ولادة عيسى (ع) ، فناسب تتاليهما. وأيضا قيل: إن أصحاب الكهف يبعثون قبل قيام الساعة، ويحجّون مع عيسى بن مريم حين ينزل «٣» . ففي ذكر سورة مريم بعد سورة أصحاب الكهف مع ذلك، إن ثبت، ما لا يخفى من المناسبة. وقد قيل أيضا: إنهم من قوم عيسى، وإنّ قصتهم كانت في الفترة، فناسب توالي قصتهم وقصة نبيّهم «٤» .
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ هـ: ١٩٧٨ م. (٢) . ولادة يحيى كانت عجيبة، لأنّ أمه كانت قد بلغت سنّ اليأس، وأباه بلغ من الكبر عتيّا، فليس لمثلهما أن ينجب أبدا. (٣) . لم نعثر على هذا الرأي فيما بين أيدينا من مصادر. (٤) . قال ابن كثير: الظاهر أنهم كانوا قبل ملّة النصرانية، لأن اليهود أشاروا على قريش بسؤال النبي (ص) عنهم. (تفسير ابن كثير: ٥: ١٣٧) .