المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «التحريم»«١»
في قوله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [الآية ٤] استعارة ومعنى صغت قلوبكما: أي مالت وانحرفت.
قال النضر بن شميل «٢» : يقال قد صغوت إليه وصغيت، وصغيت، وأصغيت إليه، وهو الكلام. ولم تمل قلوبهما على الحقيقة، وإنما اعتقد قلباهما خلاف الاستقامة في إطاعة النبي (ص) ، فحسن أن يوصف بميل القلبين من هذا الوجه. وذلك كقول القائل: قد مال إلى فلان قلبي: إذا أحبّه. وقد نفر عن فلان قلبي إذا أبغضه. والقلب في الأمرين جميعا بحاله، لم يخرج عن نياطه، ولم يزل عن مناطه.
وإنما قال سبحانه: قلوبكما، والخطاب مع امرأتين، لأن كل شيئين من شيئين تجوز العبارة عنهما بلفظ الجمع في عادة العرب. قال الراجز «٣» :
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ. (٢) . هو النضر بن شميل بن خرشة التميمي المازني وكان عالما بأيام العرب وراوية للحديث واللغة. اتصل بالخليفة المأمون العباسي فأكرمه وقربه إليه. توفي بمرو سنة ٢٠٣ هـ. (٣) . لم يذكر القرطبي اسم هذا الراجز. وقد نسبه محقق «الجامع لأحكام القرآن» للشاعر الخطام المجاشعي، ونبّه على ذلك في هامش الجزء الخامس ص ٧٣ ولم يذكر ابن مطرف الكناني في «القرطين» اسم الشاعر واكتفى بقوله: أنشدني بعضهم وكذلك فعل العلامة محب الدين في «شرح شواهد الكشاف» ص ٣١٨. والخطام اسمه بشر، كما كتب ذلك بخطه عبد القادر البغدادي، على هامش «المؤتلف والمختلف» للامدي ص ١١٢ وهو شاعر إسلامي اشتهر بالرجز. والقذف (بفتحتين وبضمتين) : البعيد من الأرض. والمرت (بفتح الميم وسكون الراء) : الأرض لا ماء فيها ولا نبات. والظهر: ما ارتفع من الأرض.