للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم دخلت سنة إحدى وستين وثلاث مائة، وفي المحرّم بلغت القرامطة عين شمس، فاستعدّ جوهر للقتال لعشر بقين من صفر، وغلّق أبواب الطّابية، وضبط الدّاخل والخارج، وأمر النّاس بالخروج إليه، وأن يخرج الأشراف كلّهم، فخرج إليه أبو جعفر مسلم وغيره بالمضارب.

وفي مستهلّ شهر (a) ربيع الأوّل التحم القتال مع القرامطة على باب القاهرة وكان يوم جمعة، فقتل من الفريقين جماعة وأسر جماعة، وأصبحوا يوم السبت متكافئين. ثم غدوا يوم الأحد للقتال، وسار الحسن الأعسم بجميع عساكره، ومشى للقتال على الخندق والباب مغلق. فلمّا زالت الشّمس فتح جوهر الباب، واقتتلوا قتالا شديدا، وقتل خلق كثير، ثم ولّى الأعسم منهزما، ولم يتبعه القائد جوهر. ونهب سواد الأعسم بالجبّ، ووجدت صناديقه وكتبه، وانصرف في اللّيل على طريق القلزم، ونهبت (b) بنو عقيل وبنو طيّئ كثيرا من سواده وهو مشغول بالقتال.

وكان جميع ما جرى على القرمطي بتدبير جوهر وجوائز أنفذها، ولو أراد أخذ الأعسم في انهزامه لأخذه، ولكن الليل حجز فكره جوهر اتّباعه خوفا من الحيلة والمكيدة، وحضر القتال خلق من رعيّة مصر، وأمر جوهر بالنّداء في المدينة: من جاء بالقرمطي أو برأسه فله ثلاث مائة ألف درهم، وخمسون خلعة، وخمسون سرجا بحليّ (c) على دوابّها، وثلاث جوائز (١).

ومدح بعضهم القائد جوهرا بأبيات منها:

[الطويل]

كأنّ طراز النّصر فوق جبينه … يلوح، وأرواح الورى بيمينه

ولم يتّفق على القرامطة منذ ابتداء أمرهم كسرة أقبح من هذه الكسرة. ومنها فارقهم من كان قد اجتمع إليهم من الكافورية والإخشيدية، فقبض جوهر على نحو الألف منهم وسجنهم مقيّدين.

(d)) قال كاتبه: خندق السّري بالقرافة وجدّده جوهر حتى بلغ في الحفر قبر الشّافعي، ثم شقّ به مشرّقا على المقابر بالقرافة إلى الجبل المقطّم، أراد بذلك حفظ طريق الفتح من ناحية القلزم.

ويعرف هذا المكان إلى اليوم في القرافة ب «الخندق» (d) (٢).


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: نهب.
(c) بولاق: محلى.
(d-d) إضافة من مسودة الخطط.
(١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٣٠: ١.
(٢) المقريزي: مسودة الخطط ١٥٢ و (طيّارة بين الصفحات).