فإن قال قائل: هل القبر الواحد يمنعُ صِحَّة الصَّلاة أو لا بُدَّ من ثلاثة فأكثر؟
فالجواب: أنَّ في ذلك خلافاً (١)، فمن العلماء مَنْ قال: إنَّ القبر الواحد والاثنين لا يمنعُ صحَّة الصَّلاة، ومنهم من قال: بل يمنعُ. والصَّحيح: أنه يمنع حتى القبر الواحد؛ لأنَّ المكان قُبِرَ فيه فصار الآن مقبرة بالفعل، والنَّاس لا يموتون جملة واحدة حتى يملؤوا هذا المكان، بل يموتون تِباعاً واحداً فواحداً.
فإن قال قائل: إذا جعلتم الحكمَ منوطاً بالاسم، فقولوا: إذا أُعِدَّتْ أرضٌ لأن تكون مقبرة فلا يُصلَّى فيها؟.
فالجواب: أن هذه لم يتَحقَّق فيها الاسم، فهي مقبرة باعتبار ما سيكون؛ فتصحُّ الصَّلاة فيها؛ لكن التي دُفِنَ فيها ولو واحد أصبحت مقبرة بالفعل.
مسألة:
يُستثنى من ذلك صلاة الجنازة، فإن كانت الصلاة على القبر فلا شَكَّ في استثنائها؛ لأنه ثبت عن النبيِّ ﵊ أنَّه فَقَدَ المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد، فسأل عنها، فقالوا:«إنَّها ماتت»، وكانت قد ماتت بالليل، والصَّحابةُ ﵃ كرهوا أنْ يُخبروا النبيَّ ﷺ بالليل فيخرُجَ، فقال لهم: هلاَّ آذنتموني»، أي: أخبرتموني، ثم قال ﵊:«دُلُّوني على قبرها» فدلُّوه على القبرِ، فقامَ وصَلَّى عليها ﵊(٢).
(١) انظر: «الإنصاف» (٣/ ٢٩٨)، «الاختيارات» ص (٤٤). (٢) رواه البخاري، كتاب الصلاة: باب كنس المسجد والتقاط الخرق، رقم (٤٥٨)، ومسلم، كتاب الجنائز: باب الصلاة على المقبرة، رقم (٩٥٦) من حديث أبي هريرة.