فإن قيل: يَرِدُ على هذا الاستدلال: أنَّ «لا» في قوله: «لا يمسُّه» نافية، وليست ناهية، لأنه قال:«لا يمسُّه» ولم يقل: «لا يمسَّه»؟ .....
قيل: إِنه قد يأتي الخبر بمعنى الطَّلب، بل إِن الخبر المراد به الطَّلب أقوى من الطَّلب المجرَّد، لأنه يُصوِّر الشيءَ كأنه مفروغ منه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤]، فقوله:«يَتَرَبَّصْنَ» خبر بمعنى الأمر. وفي السُّنَّة:«لا يبيع الرَّجُل على بيع أخيه»(١) بلفظ الخبر، والمراد النَّهي.
٢ - ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبيُّ ﷺ إلى أهل اليمن وفيه:« … ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر … »(٢).
والطَّاهر: هو المُتطهِّرُ طهارة حسِّيَّة من الحَدَث بالوُضُوء أو الغُسُل، لأن المؤمن طهارته معنوية كاملة، والمصحف لا يمسُّه غالباً إلا المؤمنون، فلما قال:«إلا طاهر» عُلم أنها طهارة غير الطَّهارة المعنوية، بل المراد الطَّهارة من الحَدَث، ويَدُلُّ لهذا قوله
(١) رواه البخاري، كتاب البيوع: باب لا يبيع على بيع أخيه، رقم (٢١٤٠)، ومسلم، كتاب النكاح: باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، رقم (١٤١٣)، من حديث أبي هريرة. (٢) رواه الطبراني في «الكبير» (١٢/رقم ١٣٢١٧)، والدارقطني (١/ ١٢١)، والبيهقي (١/ ٨٨) عن ابن عمر، قال ابن حجر: «إِسناده لا بأس به». وروي أيضاً من حديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام وعثمان بن أبي العاص. وصحَّحه: إِسحاق بن راهويه، والشافعي، وابن عبد البر. واحتجَّ به أحمد بن حنبل. انظر: «التلخيص الحبير» رقم (١٧٥)، «نصب الراية» (١/ ١٩٦).