القول الثاني في المسألة: أن صلاةَ المفترضِ خلفَ المتنفِّلِ صحيحةٌ.
ودليل ذلك ما يلي:
أولاً: عمومُ قولِ النَّبيِّ ﷺ: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ»(١) ولم يشترطِ النَّبيُّ ﷺ سوى ذلك، فالعمومُ يقتضي أنَّه لو كان الإِمامُ متنفِّلاً والمأمومُ مفترضاً فالصَّلاةُ صحيحةٌ.
ثانياً: أنَّ معاذَ بنَ جَبَلَ كان يُصلِّي مع النَّبيِّ ﷺ صلاةَ العشاءِ، ثم يرجعُ إلى قومِهِ فيصلِّي بهم الصلاة نفسها (٢). ومعلومٌ أنَّ الصلاةَ الأُولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة، ولم يُنْكَرْ عليه.
فإن قال قائلٌ: لعلَّ النَّبيَّ ﷺ لم يعلمْ بذلك؟
فالجواب من وجهين:
الأول: إنْ كان قد عَلِمَ فهذا هو المطلوبُ، والظَّاهرُ أنه عَلِمَ؛ لأنَّ معاذَ بنَ جَبَلَ شُكِيَ إلى الرَّسولِ ﵊ في أنه يُطيلُ، ولا يبعدُ أنْ يُقالَ للرَّسولِ ﷺ: إنَّ هذا الرَّجُل يأتي متأخِّراً يصلِّي عندك ثم يأتينا ويطيلُ بنا. بل قد جاء ذلك مصرَّحاً به في «صحيح مسلم». (إن معاذاً صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة … )(٣).
الثاني: إذا فَرَضْنا أنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يعلمْ، فإنَّ الله تعالى قد
(١) تقدم تخريجه ص (٢٠٥). (٢) و (٣) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة (٤٦٥) (١٧٨).