فإن قلت: المهدي قد يكون فقيرًا فيقصد بهديته عوضاً من جهة المهدى إليه، ولا يقصد غير ذلك.
قلت: هذا بيع أخرج في صورة الهدية، فإن صححناها بيعًا أو أفسدناها فلا يُرَدُّ علينا، وإن صححناها هديةً وأوجبنا الثواب فتسميتها هدية باعتبار صورتها لا باعتبار معناها، ونحن كلامنا في الهدية صورةً ومعنى، فإنَّا إذا حددنا حقيقةً إنما نحد ذلك، وتسمية الصورة المذكورة هدية كتسمية الصورة المنفوسة إنسانًا.
على أنه قد يقال: إن الفقير قصد استمالة قلب المهدى إليه فيرحمه ويعطيه، لا على سبيل المعاوضة، فلا يخرج عن قصد التودُّد، فيسمى هدية حقيقة، وهذا هو العُرف عند الناس، ومقصود الفقراء.
ألا ترى أن العوض ليس معيَّنا، ولا معلومًا، وإنما يقصد الفقير المهدي أن ينعطف (١) الغني المهدى إليه، ويتحنن عليه، فرجع إلى معنى الهدية الذي قدمناه، وليس مقصوده شيئًا معينًا كما هو مقصود الراشي، فكذلك لا تَحرُمُ الهدية المذكورة.
وقد روى عبد الرحمن بن علقمة قال: قدم وفد ثقيف على رسول الله ﷺ ومعهم هدية قد جاءوا بها، فقال لهم: ما هذا؟ هدية أم صدقة؟ فإن الصدقة يُبتَغَى بها وجه الله، والهدية يبتغى بها وجه الرسول، وقضاء الحاجة، قالوا: هدية، فقبضها منهم (٢).
(١) أي: يميل قلب المهدى إليه. والله أعلم. (٢) أخرجه النسائي في السنن (٣٧٥٨) كتاب العمرى، باب عطية المرأة بغير إذن زوجها، ٦/ ٢٧٩، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢٢٤٠٢) كتاب البيوع والأقضية، باب في الوالي والقاضي يهدى إليهما ٦/ ٠٥٥٠ وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي ٨/ ٣٣٠: «ضعيف الإسناد».