للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قلت: العاقل إنما يقصد استمالة قلب غيره لغرض صحيح، أما مجرَّدُ استمالة القلب من غير غرض آخَرَ، فلا.

قلت: صحيح، لكن استمالة القلب له بواعث، منها: إن ترتب عليه مصلحة مخصوصة معينة كالحكم ميلا، فها هنا المقصود تلك المصلحة، وصارت استمالة القلب وسيلةً غير مقصودة؛ لأن القصد متى عُلِمَ بعينه لا نقف مع سببه، فدخل هذا في قسم الرشوة.

ومنها: إن ترتب عليه مصالح لا تنحصر، إما أخروية كالأخوة في الله، والمحبة، ونَيْلِ ثوابها، وما أشبه ذلك، لعلم أو دين، فهذه مستحبَّةٌ، والإهداء لها مستحب.

[حكم الملل المعطى لاستمالة قلب صاحب جاه للتوصل إلى غرض دنيوي]

ومنها: أن تكون دنيوية؛ كالتوصل بذلك إلى أغراض له لا تنحصر بأن يكون المستمال قلبه صاحب جاه، فإن كان جاهه بالعلم والدين، فذلك جائز.

وهل هو جائز بلا كراهية أو بكراهة تنزيه؟ اقتضى كلام الغزالي في «الإحياء» النهي (١)، ومراده في القبول للهدية، وهو صحيح؛ لأنه يكون قد أكل بعلمه أو دينه، أما الباذل فلا يُكره له ذلك وإن كان جاهه بأمر دنيوي، فإن لم تكن ولاية، بل كان له وجاهة بمال أو صلة عند الأكابر، ويقدر على نفعه، لا يكره الإهداء إليه لهذا الغرض.

وأما قبوله فهو أقل كراهة من الذي قبله، بل لا يظهر فيه كراهة؛ لأنه لم يأكل بعلمه ولا دينه، وإنما هو أمر دنيوي، ولم يخرج عن حدّ الهدية فلا كراهة.


(١) أي: نهي تنزيه، والله أعلم. ينظر: إحياء علوم الدين ٢/ ١٥٥.

<<  <   >  >>