قال أبو عمر بن عبد البَرِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في «الاستذكار» في «كتاب الجهاد» في حديث هدية مِدْعَم (١): فيه إباحة قبول الخليفة الهدية، وكان ﵇ يقبل الهدية، ويأكلها، ويُثيب عليها، ولا يأكل الصدقة.
وقبوله ﵇ للهدية من المسلمين والكفار أشهر وأعرفُ عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد على ذلك ها هنا، إلا أنَّ ذلك لا يجوز لغير النبي ﷺ؛ إذ كان منه قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته؛ لأنه إنما أهدى ذلك من أجل أنه أمير رعيته.
وليس النبي ﷺ في ذلك كغيره؛ لأنه مخصوص بما أفاء الله ﷿ من غير قتال من أموال الكفار مما جلوا عنه بالرعب من غير إيجاف بخيل ولا ركاب، يكون له دون سائر الناس.
ومن بعده الأئمة، حُكمه في ذلك خلاف حكمه، لا يكون له خاصةً دون سائر المسلمين بإجماع من العلماء؛ لأنها فيءٌ لمن سمى الله ﷿ في آية الفيء؛ ولهذا قال ﷺ:«هدايا الأمراء غُلول»(٢).
(١) أخرجه البخاري (٣٩٣٩) كتاب المغازي ٤/ ١٥٤٧، باب غزوة خبير عن أبي هريرة ﵁ أنه قال: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا أو فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ثم انصرفنا مع رسول الله ﷺ إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب فبينما هو يحط رحل رسول الله ـ ﷺ ـ إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله ﷺ «بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا» فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي ﷺ بشراك أو بشراكين فقال هذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله ﷺ «شراك أو شراكان من نار». (٢) سبق تخريجه.