للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ثبتت هذه التشديدات فالقاضي والوالي ينبغي [أن] (١) يقدر في نفسه أنه في بيت أبيه وأُمه، فما كان يُعطى بعد العزل وهو في بيت أُمه يجوز له أخذه في ولايته، وما يعلم أنه يعطى لولايته وما أشكل عليه في أصدقائه أنهم هل كانوا يُعطونه لو كان معزولاً أو لا، فهو شبهه، فليجتنبه (٢). هذا كلام الغزالي ، وهو في غاية الحسن.

[نقل كلام أبي عبد الله الترمذي في الفرق بين الهدية والرشوة]

وقال أبو عبد الله الترمذي الحكيم في كتاب «الفروق» (٣) له في الفرق بين الهدية والرشوة: الهدية أن يُعطيك شيئًا يريد أن يهادى بميل قلبك ونفسك إلى نفسه، ومنه يتهادى في مشيه، والهدي؛ لأنه مَيْلُ القلب إلى الله ﷿.

فإذا أعطاك على أن تُمِيل قلبك إلى نفسه وأنت ذو سلطان، أو ذو سبب من السلطان، فهو رشوة؛ لأن السلطان ظلُّ الله في الأرض، والعدل سبيله، فإذا أعطى السلطان فسلك سبيل العدل فما أخذ عليه كأنه صيَّره ثمنا للعدل، والله لا يرضى أن يُباع عدله في أرضه بحطام الدنيا؛ لأنه قد حمل عليه مُؤنَةَ العدل بعدله، فصار جَوَدًا، فإنه بذل العدل لعباده، ولم يقتض عليه من عباده شيئًا.

ولذلك صارت هديته رشوةً مأخوذة من الرشاء؛ لأن الرشاء به يستمد من البئر الماء، فينزعه، ولذلك هذا صيَّر هذه العطية بها يستمد العدل من الحاكم، ولم يؤمر الحاكم بأن يكون على أن يستمد منه العدل بالاحتيال، بل يكون عدله كالماء الجاري الذي لا يكون على الخلق فيه مؤنة، يتناولونه


(١) سقطت من الأصل، وهو في أصل الكتاب الذي نقل منه المصنف وبها يستقيم الكلام. والله أعلم.
(٢) انتهى كلام الغزالي الذي مبتدأه ص ١٣١، ينظر إحياء علوم الدين: ٢/ ١٥٤ - ١٥٦.
(٣) قال تاج الدين السبكي في الطبقات ٢/ ٢٤٦: «كتاب الفروق لا بأس به، بل ليس في بابه مثله يفرق فيه بين المداراة والمداهنة والمحاجة والمجادلة والمناظرة والمغالبة والانتصار والانتقام وهلم جرا من أمور متقاربة المعنى». اهـ، ولم أقف عليه مطبوعاً. والله أعلم.

<<  <   >  >>