من المعلوم أن التقي السبكي شافعي المذهب؛ بل هو من الأعلام الكبار لهذا المذهب، وله معرفة تامة بمذهب أصحابه؛ ومن ذلك: معرفته بما أطلقوه مما قيدوه، فقد ذكر في كتابه هذا موضعاً وقع من أصحابه إطلاق فيه، ولم يتعرضوا لتقييده؛ فقيده؛ كما في مسألة منقولة عن الشافعي، وحكاها عنه ابن الصباغ فيما لو أهدى له ذو رحم وذو مودة كان يهاديه قبل الولاية، فالتنزه أحب، ولا بأس أن يقبل ويتموّل، فرأى التقي السبكي أن يكون التقييد بتقدم العادة خاصاً بذي المودة، ولا يشترط في ذي الرحم، خلافاً للأصحاب الذين لم يتعرضوا لذلك، وأطلقوا (١).
[العاشر: أنه لا يتعصب لمذهبه]
فالشيخ الإمام شافعي المذهب، منتسب إليه في الفروع، ومع ما غلب على المتمذهبين لا سيما المُقلّدة منهم من التعصب لمذاهبهم، إلَّا أنَّ التقي السبكي ﵀ لم يكن كذلك، فقد كان متجردًا للحق، مُتَّبِعاً للصواب. فإذا تبين له الحق في مسألة وكان مخالفًا لما عليه مذهبه؛ فإنه لا يتعصب لمذهبه؛ وإنَّما يرجح القول الموافق للحق، ويذهب إليه.
[الحادي عشر: كثرة النقول عن الأئمة]
فقد أكثر التقي السبكي في رسالته هذه النقل عن الأئمة، ويظهر هذا لمن قرأها؛ فإنه يجد أنه في كل مسألة ينقل أقوال الأئمة فيها، ويعزوها إلى كتبهم، ويُعيّن محلها وموضعها منها. ولا يخفى أن في هذا إضافةً علمية، تزيد من قيمة الكتاب، وتكسبه ثقة قارئيه.