وليقنع بأن يكون في غِمَارِ (١) المسلمين يسأل العافية، ولا يتعرض لهذا سبب تمنع الخطر العظيم، ويتحمل أعباء هذا المنصب الشريف؛ ولهذا كان العلماء من العلماء عن السلف يمتنعون من الدخول فيه؛ لما يعلمون من خطره. القضاء
[فضل القاضي]
ولا شك أن من دخل فيه بحق وعدل فيه كان كالمجاهد في سبيل الله له فضل درجة المجاهدين، بل ربما يكون أفضل من بعضهم، وكل قضية يحكم فيها القاضي بالحق فيدفع ظالماً، ويصل حقا هي جهاد، ولا شك أنها أعظم من جميع نوافل العبادات، وأفضل من كثير من فروض الكفايات، ولكن هيهات العدل من صاحبها إلا من عصم الله، فالأولى [للمحتاط](٢) لدينه الانكفاف عنها.
وليعلم أنها ليست جهة مكسب، بل جهة عبادة، وفيها خطر إن زَلَّ هوى في جهنم، فالسلامة في تركها، ويسأل الله من فضله.
[حكم الأخذ من الجهات الموقوفة للعلم]
وأحسن أحوال الفقيه عندي أن يشتغل بالعلم الله تعالى، ولا يأخذ عليه حكم الأخذ من شيئًا، ويكتسب بتجارة أو صناعة أو زراعة إن قدر على ذلك، ولم يعطله عن الجهات العلم. الموقوفة للعلم
فإن عطله ذلك عن العلم ولم يكن له ما يقوم به، فإن تيسر له رزق حلال ممن يسوقه الله على يديه بلا شبهة، فذلك فضل من الله تعالى، والتناول من الجهات الموقوفة للعلم قريب إذا قام بشروطها، وهي تتفاوت بالنظر إلى حِل مال صاحبها وغير ذلك، فإذا صحت فهي جيدة، وليست كالكسب؛ لأنها على كل حال تشبه الأجر على العلم؛ ففيها نقص من هذا الوجه، ولكن لا يجري فيها الخلاف في أَخْذِ الأجر على العلم؛ لأنَّها ليست أجرًا حقيقةً.
(١) غُمار، بضم الغين وفتحها؛ أي: مجتمعهم. ينظر: العين ٤/ ٤١٦؛ المصباح المنير ٢/ ٤٥٣. (٢) في الأصل: (المحتاط)، ولعل ما أثبته هو الصواب، والله أعلم.