الصحيح عليه، والمواضع التي أوردها فيها (١)؛ ليظهر من خلال ذلك فقه الأحاديث، وتفقه البخاري ﵀ فيها.
[الثالث: تعقب الأئمة في استدلالاتهم]
فهو وإن اعتنى بالأحاديث من جهة إيرادها، وسَوْق أسانيدها، والتفقه فيها، ونقل تراجم الأئمة عليها، إلا أنه إذا ذكر استدلالهم بها على المسائل المبحوثة لم يكن مقلّداً ومتابعاً لهم، وإنَّما كان يتعقب عليهم استدلالاتهم صحةً وضعفًا.
ومن ذلك: تعقبه على الإمام الغزالي استدلاله بحديث ابن اللتية (٢) على تحريم المال المعطى لاستمالة قلب صاحب جاه، جاهه جاه ولاية، ولم يقصد منه حكمًا، وإنَّما قصد استمالة قلبه عسى أن ينتفع به في مهماته، وينال بصحبته خيرًا، قال التقي السبكي ﵀:«فاستدل الغزالي بحديث ابن اللتبية على التحريم، ويكون هذا وإن كان القصد استمالة القلب من غير قصد خاص خرج من قسم الهدية، ودخل في قسم الرشوة بالحديث.
والذي أقوله: إن هذا قسم متوسط بين الهدية والرشوة صورة وحكمًا، وأن حكمه أن يجوز القبول ويوضع في بيت المال، وحكم ما سواه من الهدايا يؤخذ ويتملكه المهدى له، وحكم الرشوة أن لا تؤخذ، بل تُرَدُّ إلى صاحبها» (٣).
[الرابع: تصحيحه الأوهام الواقعة في الأسانيد]
فإنه فوق إحسانه للصناعة الفقهية، فهو على درجة عالية من العناية