للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تكلم أهل العصر في كونها إجارة أو جعالة، وكله خبط، والصواب أنها صدقة بصفة، فالذي يأخذها يأخذها لاتصافه بتلك الصفة، ودخوله في الوقف بذلك.

فإن تعلَّمَ العلم وعلمه الله خالصاً، وأخذ ذلك لانصافه بالصفة، فذلك أحسن المراتب، ولا ينقص ذلك من ثواب تعلمه وتعليمه شيئًا، وإن تعلَّم وعلَّمَ؛ لينال ذلك، لم يحصل له ثواب إِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ الله قصده بعد ذلك.

وتناول المعلوم بعد اتصافه بالاستحقاق بالصفة المحضة لا تشبه أجرةً، ولا جعلا، ولا رزقا، وتناوله قبله ليتعلم أو يُعَلِّمَ كتناول الرزق الذي يجعله الإمام من بيت المال على ذلك، حلال.

والحاصل: أن المدارس كالأرزاق، وأخذها كأخذ الرزق على العلم، فإن نظر الطالب أو المدرّس في حال اشتغاله إليها ولم يشتغل إلا لأجلها، فلا أجر له، وإن كان يشتغل لله، ولكن سكنت نفسه بسببها، ولولاها لم يشتغل لضرورة كسبه فله أجر، ولكن دون القسم الثالث، وهو أن يعرض عن ملاحظتها بالكلية، ويكون اشتغاله لله تعالى خالصاً، بحيث لو قطعت أو لم يكن لم يتفاوت الحال عنده، وإذا حصلت أخَذَها كالنحلة، فهذا أرفع الدرجات، وعليه يحمل حال السَّلَف الذين كانت لهم الأرزاق من بيت المال.

وفي الحال الثاني والثالث لا يأتي الخلاف في أخذ الأجرة على العلم، وفي الحال الأول قد يأتي باعتبار قصده، ومع ذلك ليس من الرشوة في شيء؛ لأن الرشوة صاحبها يتوصل بها إلى غرض نفسه، وهذه صاحبها يتوصل بها إلى غرض للمتعلم وللمسلمين والله تعالى، وهو نشر العلم فلا معنى للرشوة ها هنا أصلا.

<<  <   >  >>