ويدلك على أن العامل لا يجوز له أن يستأثر بهدية أُهديت إليه بسبب ولايتها، ولأنها له ولجماعة المسلمين: حديث أبي حُمَيْدِ الساعدي، رواه ابن شهاب وغيره:«والذي نفسي بيده، لا ينال أحدكم منها شيئًا»(١)، قال أبو عمر: يعني: من الهدايا.
وقال ابن عبد البر: اختلف العلماء في حديث عياض المجاشعي: «نهيت عن زبد المشركين»(٢)، قال منهم قائلون: ذلك نسخ لما كان منه من قبول هدايا الكفار، وقال آخرون: ليس في الحديثين نسخ، وإنَّما المعنى كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه؛ لأن قبولها داعية إلى تركه على حاله، وقال آخرون: بل كان مخيرًا في قبول هدية الكفار، وترك قبولها، وقيل: إنَّما ترك قبول هدية عياض وملاعب الأسنَّةِ ومثلهما، ونهى عن زبد المشركين؛ لما في التهادي من التحابب، ومَن حاد الله ورسولَه حَرُمَت على المسلمين موالاته، وكان ﵇ بخلاف غيره؛ لأنه مأمون منه ما لا يُؤمَنُ من أكثر الأمراء بعده.
وروى ابن عبد البر بسنده إلى أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري، قال: قلت للأوزاعي: أرأيت لو أن صاحب الروم أهدى إلى أمير المؤمنين هديَّةً، أترى بأسا أن يقبلها؟ قال: لا أرى بذلك بأسًا، قلت: فما حالها إذا قبلها؟ قال: يكون للمسلمين، قلت: وما وجه ذلك؟ قال: أليس إنَّما أهدى له؛ لأنه ولي عهد المسلمين، فلا يكون أحق بها منهم، ويكافئه بمثلها من بيت مال المسلمين.
قال الفزاري: فقلت: لو أن صاحب الباب أهدى له رئيس العدو هدية أو صاحبُ مَلْطِيَّة (٣)، أيقبلها أحبُّ إليك أم يردُّها؟ قال: يردُّها أحبُّ إليَّ،
(١) سبق تخريجه. (٢) سبق تخريجه. (٣) ملطية بفتح أوله وثانيه وسكون الطاء وتخفيف الياء والعامة تقوله بتشديد الياء وكسر الطاء هي من بناء الإسكندر وجامعها من بناء الصحابة، بلدة من بلاد الروم مشهورة مذكورة، تتاخم=