للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِكُلِّ أَحَدٍ أَخْذُه.

وتسمية القسم الثاني رشوة؛ لكونه يُوصل به إلى حكم الحاكم، وإن لم يكن صحيحًا، لكنه أبعد في مشابهة الرشاء من الأول، وإن كان أشد تحريمًا منه؛ لأن تحريم الأول من جهة أخذ الرشوة، وتحجير عدل الله، وتحريم الثاني من جهة الرشوة، والحكم بغير ما حكم الله، وكلاهما على غير طريق الله، المستحِلُّ لذلك كافرٌ، وفاعله غير مستحل فاسق.

فقد عُلم بهذا أن كلَّ ما يُعطى للحاكم على حكم بحق أو باطل، أو توقف عن حكم بحق أو باطل، فهو رشوة محرمة بإجماع المسلمين، بل بإجماع الملل أجمعين؛ فإن اليهود ما فعلوا ذلك إلا لما حرَّفوا وبدلوا وغيروا شريعة أنبيائهم، ومن فعل هذا في هذه الملة فهو مُتَّبع لليهود لعنهم الله.

فإن قلت: إطلاق الرشوة على هذا لغوي أو شرعي، إن كان لغويا فأهل اللغة من أين يعرفون الحق أو الباطل، وإن كان شرعيا فلم رجعتم فيه إلى الاشتقاق؟

قلت: بل هو لغوي، وأهل اللغة وإن كانوا في الجاهلية قبل الإسلام فلهم أحكام يرجعون إليها، وزعماء ورؤساء قرَّروا لهم قوانين وسياسات معلومةً بينهم، فإذا حكم زعيمهم بمالٍ يأخذه على ذلك، سَمَّوْهُ رشوةً.

فإن قلت: قد عرفت أن الهدية كلُّ مالٍ أعطاه صاحبه لاستمالة القلوب، والرشوة كل مال أعطاه للتوصل إلى حكم، لكن استمالة القلب قد يكون المقصود بها التوصل إلى الحكم، فيدخل الرشوة في قسم الهدية؟

قلت: لا، بل الهدية لا يُقصد بها إلا استمالة القلب، والرشوة يقصد بها الحكم الخاص، مال القلب أو لم يَمِلْ.

<<  <   >  >>