للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استفيد من هذا الحديث الفرق بين الصدقة والهدية، وقوله: إن الهدية يُبتَغَى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة، لا ينافي ما قلناه؛ لأنا إما أن نقول: إن التودُّد خاصَّةً يُراد قضاؤها، وإما أن نقول: إن الهدية تُطلق بمعنى أعم في مقابلة الصدقة، وهي المقصود من الحديث، وبمعنى أخص في مقابلة الرشوة، وهي التي نتكلم فيها، ويصير إطلاق الهدية بالمعنى الذي نحن نبحث فيه على الرشوة مهجورا.

فقد بان لك بهذا أن الهدية المال الذي يُقصد [به] (١) التودد، والرشوة هي المال الذي يقصد به التوصل كما أن الرشاء لا يقصد به إلا التوصل لماء البئر.

ثم بعد هذا نقول: المتوصل إليه بالرشوة إن كان حكما بحق أو موقوفا على الباطل، فسبب تسمية ما يُبذل لأجله رشوة وتحريمه: أنه يستمد العدل من الحاكم، والله تعالى أمر الحكام أن يحكموا بين الناس بالعدل، وكلُّ مَنْ في الأرض من إمام، أو سلطان، أو نُوَّابِه أو قضاة فهم خلفاء الله في حكمه، مأخوذ عليهم أن يُقيموا العدل في الرعايا ويبذلوه، واجب عليهم ذلك، ولم ينصبوا إلَّا لأجله.

فإذا أخذ الرشوة عليه فكأنه صيَّرها ثمنًا للعدل، والله تعالى لا يرضى أن يُباع عدله في أرضه بحُطام الدنيا، فإنه بذل العدل لعباده، ولم يَعْتَض عليه من عباده شيئًا، وأنزل الكتاب والميزان؛ ليقوم الناس بالقسط، وأمر أن تؤدى الأمانات إلى أهلها.

فإذا جاء النائب عن الله تعالى يأخذ ثمنا على العدل الذي نصبه الله لإقامته، فقد خان الله تعالى وملائكته ورسله والمؤمنين، وإن حكم بالحق، بل


(١) ما بين المعكوفين ليس من الأصل وما أثبته ضرورة؛ لأجل استقامة الكلام واتضاحه، والله أعلم.

<<  <   >  >>