يجب عليه أن يجعل العدل مبذولاً لكل من طلبه كالماء الجاري يتمكن منه كلُّ من أراده.
وإطلاق الرشوة على ما يأخذه الحاكم في هذه الحالة متمكن تشبيها لها بالحبل، وتشبيها للعدل المبذول لكلّ بالماء الذي في البئر الذي لا يختص به أحد، فلما سُمي حبل البئر رشاءً للتوصل به إلى ما لا يجوز منعه، سُمي هذا رشوة للتوصل به إلى الحكم الذي لا يجوز منعه.
والتحريم هنا في الأخذ لا في الحكم، حتى لو رَدَّ الرشوة وتاب إلى الله تعالى، وجدد الإمام له تَوَلَّيه، وحكم بالحق، نفذ حكمه، ولو حكم بالحق بدون ذلك فالحق في نفسه نافذ، لكنَّ حُكمه وهو فاسق غير صحيح إذا قلنا بانعزاله، فإن لم نقل بانعزاله نفذ حكمه، ولا إثم عليه في الحكم، وإنما الإثم في أخذ الرشوة.
والإثم في أخذها عليه وعلى وكيله الذي يأخذ عليه، وأما باذِلُها فإن لم يتوصل إلى حقه إلا بذلك فلا إثم عليه، ولا على وكيله الذي ليس بوكيل عن الآخِذِ، وإن كان يمكنه التوصل إلى حقه بغير ذلك ولو عند قاض آخَرَ، فينبغي أن تحرم عليه؛ لأن فيه إعانةً على مُحَرَّم من غير ضرورة.
وإن كان المتوصل إليه بالرشوة حكما بباطل أو توقفا عن الحكم بحق واجب، فهذا هو السُّحتُ الذي قال الله تعالى فيه: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ (١).
قال الواحدي: أجمعوا على أن المراد بالسحت ها هنا الرشوة في الحكم، وقالوا: نزلت الآية في حُكّام اليهود؛ كانوا يرتشون ويقضون لمن رشاهم (٢).
(١) سورة المائدة، جزء من الآية رقم (٤٢). (٢) ينظر: جامع البيان، للطبري ١٠/ ٣١٨ وما بعدها، معاني القرآن، للزجاج ٢/ ١٧٧، معاني=