للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالذي يظهر بأن الهدايا إذا لم يقصد بها معنى الرشوة ولا كانت في وقت خصومة، ولا تضمين إزراء (١) لمنصب القضاء، ولا تهمة، أو ميلا، بل كانت مكارمة بين الأكفاء؛ أنه لا يمتنع/ [٢٢/ ب] قبولها، لكنه يُنظر مع ذلك إلى المعنى الباعث لصاحبها على الإهداء، فإن كان هو لولاية فلا يملكها المهدى إليه، بل يكون للمسلمين؛ لأنه إنما أخذها بقوتهم وسببهم، وكأنه قائم مقامهم، وإن كان الباعث عليها قصده بخصوصه كما إذا لم يكن له ولاية، فهي ملكه، هذا هو الذي يظهر من ذلك.

ولما كان القاضي مَظِنَّةَ التُّهمة، كرهنا له قبول الهدايا مطلقا، فإن زالت الرِّيبة جاز.

وحديث معاذ (٢) الذي أشرنا إليه قد ذكرناه، وتناولُ معاذ له من أربابه يدل على اعتقاده [حِلَّ] (٣) القبول، وأبو بكر وعمر لم يُنكرا عليه، ولا قالا له: إنه فَعَلَ حرامًا، وإنما اقتضى كلامهما أنه لبيت المال، واختلف رأيهما؛ فعمر رأى أنه لا يطيب إلا بأمر الإمام، وأبو بكر لعله رأى أن ذلك يتقيد بقول النبي : «لعل الله يجبرك»، فلا معارضة بينه وبين قول عمر.

هذا ما ظهر لنا من البحث، والفقهاء من جميع المذاهب استدلوا بحديث معاذ بن جبل.


(١) أي: إذا قصرت به وتهاونت، مادة (زرأ). ينظر: معجم بحار الأنوار ٢/ ٤٢٤.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) في الأصل: (خل) وهو خطأ، والله أعلم.

<<  <   >  >>