للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ورد بلفظ أصرح مما ذكرناه، وهو قوله : «نهيت عن زبد المشركين»، رواه: أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح (١).

ويحتمل عندي أنه لا تعارض بين الحديثين ألبتة؛ لأن الزبد هو الرفد، والرفد هو العطاء الذي يرفد به ويُعان، وذلك يدل على ضعف الآخذ له، بخلاف الهدية؛ فإنَّها تؤخذ مع العِزَّ والمَنَعَةِ.

وكان عياض صديقا للنبي قبل النبوة، فوفد على النبي ومعه نجيبة (٢) يُهديها إليه، فقال: أسلمت؟ قال: لا، قال: إن الله نهانا أن نقبل زبد المشركين، فأسلم فقبلها (٣).

فالوجه في هذا الحديث حمله على ما أشرنا إليه، أن النبي قصد التوصل إلى إسلام عياض برد هديته، وجعلها كالرفد الذي يقصد به الإعانة، وبين النهي عن ذلك، وأنه عام له ولأُمَّتِه؛ لأنَّهم إنَّما يأخذون أموال الكفَّار عن عِزَّ بغنيمة، أو فيء، أو عن هدية يقصد بها التودُّد والمحبة لا غير، ولا يأخذونها عن رفد واحتياج.

هذا الذي خطر لي في ذلك، ولا يبقى عليه إشكال، وأما النسخ فبعيد، وكذلك الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم، ويخرج من هذا نهي المسلم عن الاستعانة بمال المشرك.

وفي الرافعي عن نص الشافعي في حرملة (٤): أنه إذا أهدى مشرك إلى


(١) سبق تخريجه.
(٢) قال ابن الأثير في النهاية ٥/ ١٧: «النجيب من الإبل القوي منها الخفيف السريع». والله أعلم.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) قولهم: قال في حرملة أو نص في حرملة، معناه: قال الشافعي في الكتاب الذي نقل عنه حرملة=

<<  <   >  >>