للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأصل في ذلك قوله : «هدايا الأمراء غُلُولٌ» (١)، يعني: إذا حبسوا ذلك لأنفسهم فذلك بمنزلة الغلول منهم، والغلول اسم خاص لما يؤخذ من المغنم، فعرفنا أن ذلك بمنزلة الغنيمة، وتخصيص الأمير بذلك دلنا على أن مثله في حق الواحد من عرض الناس لا يكون غلولاً.

وفي الحديث: «فهلا جلس في بيت أبيه وأُمه» (٢)، وفيه إشارة إلى ما قلنا، وأن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فجاء بمال، فقال عمر: سرقت مال الله؟ قال: لم أسرق مال الله، ولكن خيلي تناتجت وسهامي اجتمعت، فلم يلتفت عمر إلى قوله، وأخذه فجعله في بيت المال (٣).

وكذلك لو بعث الخليفة عاملاً إلى كُورَة (٤) فأهدي إليه، فإن علم الخليفة أنه أُهدي إليه طوعاً أخذ ذلك منه، فجعله في بيت المال، وإن علم أنهم أهدوا مكرهين فينبغي أن يَرُدَّه إلى أهله، فإن لم يقدر عَزَلَه في بيت المال حتى يأتي أهله بمنزلة اللُّقَطَة.

وبهذا الطريق أمر عمر بن عبد العزيز حين استخلف برد الأموال التي اجتمعت في بيت المال؛ لأنه علم أن من قبله من المروانية (٥) أخذوها بالإكراه (٦)، وعلى هذا لو أن ملك العدو أهدى إلى ملك الثغر أو إلى قائد من


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣٣٢٧) ٢/ ٣٧٨، وقال: «هذا حديث بإسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وابن سعد في الطبقات ٤/ ٢٤٩، ٤٥٠، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٦٧/ ٣٧١.
(٤) هي المدينة والصُّقْع، والجمع: كور. ينظر: الصحاح ٢/ ٨١٠، ونقله عنه الزبيدي في تاج العروس ١٤/ ٧٧.
(٥) هم: أولاد مروان بن الحكم. ينظر: معجم قبائل العرب ١/ ٤٣.
(٦) رواه ابن سعد في الطبقات ٥/ ٢٦٣، وابن كثير في البداية والنهاية ١٢/ ٦٩٤، عمر وسياسته =

<<  <   >  >>