فبهذا تبين أن للأمير رأياً في قبول ذلك، فإن طمع في إسلامهم فهو مندوب إلى تألفهم، وإن لم يطمع في إسلامهم فله أن يُظهر الغلظة عليهم برد الهدية، فإن قبلها كان ذلك فيناً للمسلمين؛ لأنه ما أهدى إليه لعينه، بل لمنفعته ومَنَعَتِه بالمسلمين، فكان هذا بمنزلة المال المصاب بقوة المسلمين.
وهذا بخلاف ما كان لرسول الله ﷺ من الهدية، فإن قوته ومنعته لم تكن بالمسلمين على ما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (١)، فلهذا كانت الهدية له خاصةً.
ثم الذي حمل المشرك على الإهداء إليه خوفه منه، وطلبه الرّفق به، وبأهل مملكته، وتمكنه من ذلك بعسكره، وكانت الهدية بينه وبين أهل العسكر، وكذلك إن كانت الهدية إلى قائد من قواد المسلمين ممن له عدة ومَنَعَةٌ؛ لأن الرهبة منه والرغبة في التأليف معه بالهدية ليرفق به وبأهل مملكته إنَّما كان باعتبار منعته، وذلك بمن تحت رايته وبجميع أهل العسكر.
وإن كان أهدى إلى بعض المبارزين، أو إلى رجل من عرض الجيش فذلك له خاصة؛ لأن الهدية إلى مثله لم يكن على وجه الخوف منه، أو طلب الرفق به، وإن كان فذلك الخوف باعتبار قوته في نفسه؛ إذ لا تبع له، فيكون ذلك سالماً له خاصة.
وعلى هذا قالوا: من أهدى إلى مُفت أو واعظ شيئًا، فإن ذلك سالم له خاصةً؛ لأن الذي حمل المهدي على الإهداء إليه والتقرب إليه معنى فيه خاصة بخلاف الهدية إلى الحكام، فإن ذلك رشوة؛ لأن المعنى الذي حمل المهدي على التقرب إليه ولايته الثابتة بتقليد الإمام إيَّاه، والإمام في ذلك نائب عن المسلمين.