وإن لم يكن في نفس كل منهما ذلك، ولكن قصد إثابته على قضاء حاجته، فينبغي أن يكون حكمها حكم ما لو بذلها قبل قضاء الحاجة، فإنه جعلها عوضا عنها؛ ولهذا جاء عن السلف الاحتراز عنها وإن لم يقصد الإثابة عليها ولكن التودد، فهي الهدية.
وإن أراد الماوردي هذا القسم فموافقه حق، وإلا ففيه ما قد علمته. وقال الغزالي في «الإحياء»: باذل المال إنما يبذله لغرض، فإن كان غرضه ثواب الآخرة، إما أن يكون المصروف إليه محتاجاً، أو عالمًا، أو صالحًا، أو نسيبًا، فإن علم الآخذُ أنه متصف بتلك الصفة [حَلَّ](١)، وإلا فلا.
القسم الثاني: عوض عاجل معين؛ كفقير يُهدي لغني طمعا في خلعته، فهذه هبة بشرط ثواب.
القسم الثالث: أن يريد إعانته بفعل معين؛ كالمحتاج إلى السلطان يُهدي إلى وكيل السلطان وخاصته، ومَن له مكانة عنده، فهي هدية بشرط ثواب يُعرف بقرينة الحال، فإن كان الثواب حرامًا كالسعي في إدرار حرام، أو ظلم إنسان، أو غيره، حَرُمَ الأخذُ، وإن كان راجيًا لدفع ظلم متعين في كل من يقدر عليه أو شهادة متعينة، فيَحرُمُ أخذه، وهي الرشوة التي لا يُشَكٍّ في تحريمها.
وإن كان مباحا لا واجبًا ولا حرامًا، وكان فيه تعب بحيث لو عرف جاز الاستئجار عليه، فما يأخذه حلال مهما وَفَى بالغرض، وهو جار مجرى الجعالة، كقوله: أَوْصِلْ هذه القصة إلى يد السلطان ولك دينار، وكانت بحيث يحتاج إلى تعب وعمل متقوم.