وأما قوله: إن كانت مطلقة فهي الهدية، فإن عنى بالإطلاق أن لا يقترن بها لفظ يدل على الشرط، فالهدايا لا تشترط فيها لفظ، وإنما الاعتبار فيها بالفعل والقصد، فمتى قصد ترتب عليه الحكم، وإن لم يترتب وليست كعقود البيع والهبة ونحوهما ممَّا يُنظر فيه إلى اللفظ من غير اعتبار القصد.
على أنا هنا يجب أن ننظر إلى القصد حتى لو باعه بمحاباة لأجل ذلك كان كالهدية، كما أنا في الوصية نجعلها من الثلث، أعني: قدر المحاباة، ومحاباة القاضي كالهدية؛ يعتبر فيها القصود المذكورة، فإذا كانت لأجل الحكم فهي رشوة.
وإن عنى بالإطلاق أن لا يقترن بها قصد التوصل بها إلى الحكم، فصحيح أنها هدية، وليست برشوة حقيقة، ولكن هل يسلك بها مسلك الرشوة فيحرمها، أو مسلك الهدايا المباحة؟ ليس في كلامه تصريح بذلك، وقد تقدم قولنا وقول الغزالي فيها.
وقال الماوردي: العطية إن تقدمت الحاجة فهي رشوة، وإن تأخرت فهي الهدية (١). انتهى.
وهذا ظاهره يقتضي أن العطية لأجل الحاجة، وحينئذ فهو صحيح في كونها إذا تقدمت كانت رشوة؛ لأنها بذلت للتوصل إلى غرض خاص، فهو كما قلناه، ويشمل إذا كانت الحاجة هي الحكم بحق أو بخلافه.
وأما قوله: وإن تأخرت فهي الهدية، فلا شك أنَّها لا تسمى رشوة؛ لأنه لم يتوصل بها إلى غرض، اللهم إلا/ [٣٤/ ب] إن كان المهدى إليه بقرينة الحال قضى تلك الحاجة لتوقع ما يناله من صاحبها، فهي الرشوة بعينها، وتصير رشوة بآخر قبضها.