للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو قال: اقترح على فلان أن يعينني في غرض كذا، أو يُنعم علي في كذا، وافتقر في تنجيز غرضه إلى كلام كثير، فذلك جُعل كما يأخذه الوكيل في الخصومة بين يدي القاضي، فليس بحرام إذا كان لا يسعى في حرام.

وإن كان مقصوده يحصل تكلمه بلا تعب، ولكن تلك الكلمة من ذي الجاه تفيد، فهذا حرام؛ لأنه عوض عن الجاه، ولم يثبت في الشرع جواز ذلك، بل ثبت ما يدل على نهيه، كما سيأتي في هدايا الملوك.

وإذا كان لا يجوز الأخذُ عن حق الشفعة، فكيف يؤخذ عن الجاه والحاذق في صناعته، كالذي يُزيل اعوجاج السيف بدَقَّةٍ واحدة مثلا؛ لحسن معرفته، لا أرى بأسا بأخذ الأجرة عليه؛ لأن مثل هذه الصناعات يتعب في تحصيلها ليكسب بها، ويُخَفِّفُ عن نفسه كثرة العمل.

قلت: وفي تحريم ما قاله مما يحصل به غرض صحيح، وإن لم يكن [يكن] (١) فيه تعب، نظر، وقد أجاز أبو إسحاق الاعتياض عن حقه للشفعة.

الرابع: ما يقصد للمحبة لا لغرض معين، فهذه هدية يحل أخذها.

الخامس: أن يقصد تَحَبُّبه؛ ليتوصل بها بجاهه إلى أغراض [له] (٢) ينحصر جنسها وإن لم ينحصر نوعها، فإن كان جاهه لعلم أو نسب، فالأمر فيه أخف، وأخذه مكروه؛ لمشابهة الرشوة، وإن كان جاهه بولاية؛ من قضاء، أو عمل، أو ولاية صدقة، أو جباية مال، أو غيره من أعمال السلطنة حتى ولاية الأوقاف مثلاً، ولولا الولاية لم يُهْدِ إليه، فهذه رشوة في معرض الهدية.


(١) على الأقرب، خلافاً لما في الأصل من رسمها (يمكن)، والله أعلم.
(٢) في الأصل: (لا)، وهو خطأ، والموافق لما في أصل كتاب الإحياء ٢/ ١٥٦، والصواب (له). والله أعلم.

<<  <   >  >>