للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها الحاكم النائب عن الله تعالى، فبفعله يحصل الإباحة، وبفسخه يحصل التحريم، وبحَجْرِه يحصل المنع في التصرف، وببيعه مال يتيم ينتقل الملك، وباستيفائه الحدود يبرأ صاحبها مما عليه لله تعالى؛ فأفعال الحاكم كلُّها منسوبة إلى الله تعالى، والحاكم واسطة.

فمتى أخذ عليها أجراً يكون كعبدٍ أَمَرَه سَيِّدُه بإيصال شيء مما للسيد إلى عبد آخر، وأوجبه عليه ومَنَعَه من تأخيره، ولم يجعل له عليه شيئًا، بل مجرد طاعة السيد، والقيام بمصلحة عبيده، فقال: لا أوصله لصاحبه حتى تعطيني جعلا، أما أن (١) يكون أظلم الظالمين؟

فإن قلت: قد عظمت الأمر في ذلك، والقاضي إذا كان متوليا على عمل فلا يجب عليه أن يُوَلِّيَ فيه، والذي يوليه فيه إنما هو نائب عنه يساعده على العمل، فإذا جاز له استنابة من شاء فأعطاه ذلك النائب على استنابته شيئًا لم يعطه على أمر واجب ولا حرام، وهو له فيه غرض صحيح؛ لما يحصل له به من الجاه والرفعة والكَسْبِ، فلِمَ يَحْرُمُ؟

قلتُ: يَحرُمُ الأمور:

أحدها: أن القاضي مأمور بالنصح للمسلمين، صح في الحديث: أَنَّ مَنْ وَلِيَ قوماً ثم لم يُحِطهم بنصيحة؛ فالجنة عليه حرام (٢)، ومَن وَلِيَ قوما فولى


(١) كذا في الأصل، وبعد تأمل في العبارة مراراً؛ تبين أن الجملة لا تستقيم على وفق ما هو في الأصل، وأنه لا بد من حذف (أن)؛ ليستقيم الكلام، ويكون المعنى استفهاماً من المصنف بكون هذا العبد قد ارتكب ظلماً بكونه لم يقم بطاعة سيده طاعة محضة من غير حاجة إلى جعل. هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٣١) كتاب الأحكام ٦/ ٢٦١٤، باب من استرعي رعية فلم ينصح، بلفظ:
«ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنُصْحِهِ إلا لم يجد رائحة الجنة».

<<  <   >  >>