للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بغير طريقة الله تعالى، ولما امتنع من الحكم إلا بعوض فقد امتنع من حكم الله، فيدخل في قوله: ﴿وَمَنْ لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ (١)، وقوله : «لعن الله الراشي والمرتشي» (٢)، يشمل ذلك.

ويلي هذا في التحريم: أخذه على التولية والعزل والعقود والفروض والفسوخ؛ لمشابهتها الأحكام، فتدخل في الحديث إما بالنَّص وإما بالقياس، والأقرب أنه بالنص، فإنه إذا وجب ذلك عليه فالتوصل إليه بمال كالتوصل إلى الحكم بمال.

وأكثر ألفاظ الحديث أُطلق فيها الراشي والمرتشي، فيَعُمُّ، وفي بعضها مقيد في الحكم، فعلى هذه الرواية إما أن يقول: إن هذه التصرفات حكم، أو في معنى الحكم؛ لأنها وظيفة الخلافة عن الله تعالى، بل هي جُلُّ ما يقصد القاضي له، فإن الحكم الذي هو الإلزام والتقييد لمقتضى الحُجَّة لا يثبت أمرًا لم يكن، بل هو إخبار للمدعى عليه على ما قامت به الحجة.

فهو يساوي في الصورة إلزام غير الحاكم ممَّن له يد قوية، وعلم دَيْنًا على شخص وامتناعه ظلمًا من أدائه لصاحبه، فأَكْرَهَه بيده القوية على أدائه له، فهكذا حكم الحاكم وإن فارقه من بعض الوجوه.

وأما هذه التصرفات التي يُنشِئُها الحاكم فلا تصح إلا به، وضرورات الناس ماسَّة إليها؛ لاحتياجهم إلى النجاح ونحوه، وإنَّما يتعاطاه فيمن لا ولي


(١) جزء من الآية (٤٤، ٤٥، ٤٧) سورة المائدة.
(٢) سبق تخريجه ص ٦٠، قال الخطابي في (معالم السنن ٤/ ١٦١): «الراشي: المعطي، والمرتشي: الآخذ، وإنما يلحقهما بالعقوبة معا إذا استويا في القصد والإرادة، فرشى المعطى لينال به باطلاً ويتوصل به إلى ظلم، وأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو يدفع عن نفسه ظلما، فإنه غير داخل في هذا الوعيد».

<<  <   >  >>