للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

دائما على قدر أهل العلم تأتي شهرتهم، أو على حسب صيتهم تكون أقدارهم في العلم، ففيهم من يحوز الشهرة عن جدارة، ومنهم أيضا من تتأتى له وإن لم يظهر وجه الاستحقاق، وبعضهم ينالها ويستمتع بها في غضارة شبابه، والبعض الآخر لا ينعم بها إلا في أخريات أيامه، أو بعد أن يترك الدنيا، أو ربما لا تعرف أبدا طريقها إليه، حيا أو ميتا، وأهل العلم في الشهرة لا يختلفون عن بقية الناس في ميادين الحياة الأخرى، في الفن والأدب، وحتى أيضا في المهن والصنائع، ومن تأمل أحوال الدنيا، سيجد الأمر يكاد أن يكون من بديهيات الحياة وسننها المعلومة، فالشهرة قد تعانق رساما دون آخر، وممثلا دون غيره، وأديبا دون صنوه، وطبيبا دون زميله، ومعماريا دون تربه، وهكذا، وهذا ما نجده واضحا بينا في تاريخ الحضارة الإسلامية الماجدة.

ومترجمنا أبو عبد الله التميمي حاله حال من لم يشتهر أو يعرف إلا من خلال كتابه الذي بين أيدينا، فلولا هذا السفر الفريد الذي هو مصدر خصب في صياغة ترجمته، ما عرفناه، ولا عرفنا مكانته العلمية، ولا بلده، ولا شيوخه، ولا رحلاته، وما إلى ذلك، وما كان لذكر القزويني له في مشيخته، مع أهميته البالغة، تأثير يذكر في معرفة حال الرجل.

وقد عرف التراث الإسلامي نظائر عديدة لحال مترجمنا وكتابه (١)، بل فيها من كان أشد جهالة منه، ولذلك أسباب عديدة، نذكر منها: عدم خروج الكتاب من المسودة إلى المبيضة، ومنها إخفاء المؤلف كتابه لظروف سياسية أو عقدية أو مذهبية، ومنها عدم دخول الكتاب لمجالس السماع، إلى غير ذلك من الأسباب.


(١) هذا مبحث عزيز حري بالتتبع والتقصي، إذ وجد أعلام كثر لم تعرف لهم ترجمة إلا من خلال ما وجد لهم من آثار، وقد جمع الدكتور جمال عزون - وفقه الله - كتابا كبيرا سماه «فوات الأعلام»، بذل فيه الوسع لاستقصاء من هم على شاكلة مترجمنا، اعتمادا على ما تيسر له من سماعات وقيود الختم، والكتاب قيد الطبع.

<<  <  ج: ص:  >  >>