على وجه الأرض، أو في قعر البحار، أو تحت أطباق الثرى - فاللهُ رازقها دون غيره، ويعلم مستقرها ومستودعها. واعتراض ابن داود بقوله: مِنَ الدوابِّ مَنْ أفناه الله تعالى قبل أن يرزقه - خطأٌ، كما قال أبو بكر الصيرفي، بل لا بد أن يرزقه إلى أن يُفنيه - بما يقيم حياته، وله نفس ثابتة به. وقد جعل الله غذاء طائفةٍ من الطير التنفسُ إلى مدة يصلح فيها للمأكل (١)، وليس في قوله عز وجل:{يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ}(٢) ما يوجب أنه لا يرزق بعض الدواب. قال الصيرفي: لأن هذا رزق التفضيل (٣) بقوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}(٤)، والتفضيل وقع، كما رأينا الموسر والمعسر، وأما الرزق الذي (٥) يقيم الأبدان للعبادة والحياة (٦) - فلا بد منه، كما قال الله عز وجل، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الروح الأمين قد ألقى في رُوعي (٧) أنه لن تموت نفسٌ حتى
(١) في (ت)، و (غ)، و (ك): "المأكل". (٢) سورة البقرة: الآية ٢١٢. سورة آل عمران: الآية ٣٧. سورة النور: الآية ٣٨. سورة الشورى: الآية ١٩. (٣) أي: يفضل بعض الخلق على بعض في الرزق، أما عموم الرزق فهو شامل للجميع. (٤) سورة النحل: الآية ٧١. (٥) سقطت من (غ). (٦) في (ص)، و (ك)، و (غ): "أو الحياة". (٧) الرُّوع: بالضم، القلب والعقل، ووقع ذلك في رُوعي، أي: نفسي وخَلَدي وبالي. انظر: لسان العرب ٨/ ١٣٧، مادة (روع)، النهاية ٢/ ٢٧٧، قال المناوي في فيض القدير ٢/ ٤٥٠: "أي: ألقى الوحي في خَلَدي وبالي، أو في نفسي، او قلبي، أو عقلي - من غير أن أسمعه، ولا أراه. والنفث: ما يلقيه الله إلى نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلهامًا كشفيًا بمشاهدة عين اليقين".