قلت: وقد وقع لي في بعض المجالس الاستدلال على صحة مذهب أبي حنيفة بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(١). وجه الحجة: أنه لو كان الاستثناء من النفي إثباتًا لكان المرء مكلفًا بكل ما تسعه نفسه؛ لأن الوُسْع (٢) مستثنى في قوله: {لَا يُكَلِّفُ (اللَّهُ نَفْسًا)(٣)}، وقد أضيف بقوله:{وُسْعَهَا} فيقتضي العموم بناءً على أن (٤) المفرد المضاف يعم، والتقدير: لا يكلف الله نفسًا بشيءٍ إلا (بكل ما)(٥) تسعه، (فيكون كل ما تسعه مكلفة به)(٦)، وليس كذلك. وكان البحث بين يدي والدي أيده الله، فاستحسن ذلك (٧).
= قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقم ٣٩٤، كلاهما من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، بلفظ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وانظر: نصب الراية ١/ ٣٦٥. (١) سورة البقرة: الآية ٢٨٦. (٢) الوُسْع: بضم الواو، أي: الطاقة والقوة. وبالضم قرأ السبعة قي قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، والفتح لغة، وقرأ به ابن أبي عبلة، والكسر لغة، وبه قرأ عكرمة. انظر: المصباح المنير ٢/ ٣٣٥، مادة (وسع). (٣) سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك). (٤) سقطت من (ت). (٥) في (ت): "بما". فتكون "كل" ساقطة من (ت). (٦) في (ت): "فيكون كل ما يسعه مكلف به". والضمير هنا يعود إلى المرء، مع ملاحظة أن لفظ "مكلف" خبر يكون، فالصواب نصبه. (٧) انظر مسألة الاستثناء من النفي وبالعكس في: ١/ ق ٣/ ٥٦، الحاصل ١/ ٥٤١، التحصيل ١/ ٣٧٧، نهاية الوصول ٤/ ١٥٤٠، نهاية السول ٢/ ٤٢١، السراج الوهاج ١/ ٥٤٥، الإحكام ٢/ ٣٠٨، المحلي على الجمع ٢/ ١٥، شرح تنقيح الفصول ص ٢٤٧، بيان المختصر ٢/ ٢٩١، الاستغناء ص ٤٥٤، كشف الأسرار ٣/ ١٢٦، فواتح الرحموت ١/ ٣٢٦، فتح الغفار ٢/ ١٢٤، تيسير التحرير ١/ ٢٩٤، شرح الكوكب ٣/ ٣٢٧، المسودة ص ١٦٠.